للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجعل رسول الله ﷺ يَسْلُت الدم عن وجهه ويقول: "كيفَ يُفلحُ قَومٌ شَجُّوا وَجْهَ نبيِّهم، وهو يَدعوهُم إلى الله تعالى". فأنزل الله تعالى: ﴿لَيسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيءٌ﴾ [آل عمران: ١٢٨] (١).

وجعلت فاطمة ﵂ تعتنق رسول الله ﷺ وتبكي، فقال رسول الله ﷺ: "لن ينالوا منا مثلها أبدًا" (٢).

وفشا في الناس أن رسول الله ﷺ قد قُتِل، واختلط المسلمون، وصاروا يقاتلون على غير شعار، ويضرب بعضهم بعضًا، ونادى الكفار بشعارهم: يا لَهُبَل، يا لَلْعُزّى، وقتلوا في المسلمين، وافترق المسلمون فِرقًا (٣)، فقال بعضهم: ليت لنا رسولًا إلى عبد الله بن أبي، وقال بعضُهُم: ليت لنا رسولًا إلى أبي سفيان بن حرب، يأخذ لنا منه أمانًا، وقال المنافقون: ارجِعوا إلى الدين الأول، وصاح فيهم أنس بن النَّضر: ويحكم إن كان محمدٌ قد قتل، فَرَبُّ محمدٍ لم يقتل، وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله ﷺ؟ فقاتلوا على ما قاتل عليه، وموتوا على ما مات عليه، ثم قاتل حتى قُتل رضوان الله عليه (٤).

وتحامل رسول الله ﷺ، وصعد على صخرة وجعل يدعو الناس إليه. قال كعب بن مالك: فأنا أول من عرفه، عرفته بعينيه وهما يُزْهِران تحت المِغْفَر، فناديت: يا معاشر المسلمين، أبشروا فهذا رسول الله ﷺ، فأشار إلي أَنِ اسْكُتْ (٥).

وفَوَّقَ رجلٌ سَهْمًا وأراد أن يرميه به. فقال: "أنا رسول الله" وانحازت إليه طائفةٌ من المسلمين فلامهم على الفرار، فقالوا: سمعنا أنك قد قتلت فَرَعَبَتْ قلوبنا فولَّينا مُدبرين (٦).


(١) أخرجه مسلم (١٧٩١) من حديث أنس ﵁.
(٢) انظر "الطبقات الكبرى" ٢/ ٤١.
(٣) انظر "الطبقات الكبرى" ٢/ ٣٩.
(٤) "تاريخ الطبري" ٢/ ٥٢٠، وانظر "السيرة" ٣/ ٣٠.
(٥) "السيرة" ٣/ ٣١.
(٦) انظر "تاريخ الطبري" ٢/ ٥٢٠.