للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرحمن: ٢٠] أنه هذا الموضع. والله أعلم (١).

وقال أبو معشر: بحر الرومي يأخذ من خليج يخرج من البحر المحيط، ويسمى ذلك البحر: قنطش، وأضيق مكان في الخليج من ساحل طَنْجَة ويعرف بالزُّقاق عند سَبْتة. قال: وبدايةُ البحر الرومي من مكان يقال له: أصنام النحاس، ليس وراءه شيء، وعرض الزُّقاق ستة أميال، وقيل: إنَّ هذا البحر مثل البِركة، ولهذا إن ما بين الأندلس وبين القُسطنطينية مئة ميل، وهذا البحر يمتدُّ إلى أقصى المغرب وبلاد الفِرَنجِ وعليه طَرابُلُس الغرب، ثم يمتدُّ إلى الإسكندريَّة، ودِمياط، والفَرَما، وغَزَّة، وعَسْقَلان، ويافا، وقَيسَاريَّة، وحَيفا، وعَكَّة، وصُور، وصَيدا، وبَيروت، وجبَيْل، وأطْرابُلُس الشام، وأَنْطَرطُوس، وأَذَنَة، والمَصِّيصة، وجَبَلة، واللَّاذِقِيَّة، وبلد أنْطاكِيَّة، ثم يمرُّ على بلد الأرمن والروم إلى خليج القُسطنطينية. وقيل: طوله ستة آلاف ميل وعرضه من الست مئة إلى مئة بحسب اختلاف الأماكن في الضيق والسعة، وفيه جزائر نذكرها.

وقيل: إنَّ ذا القرنين هو الذي فتح هذا الزُّقاق عند سَبْتة لأنَّ مكان البحر كان واديًا عظيمًا فيه أمم كثيرة، ومدن وحصون، ومزارع وقرى، وآثارها باقية فيه، وكان أهلها عصاةً على الإسكندر، فأقام ينذرهم أربعين سنة فلم يطيعوه فأرسل عليهم الماء من الزقاق فغرقوا.

ويتشعب منه خليج طوله خمس مئة ميل، ويتصل بمدينة روميَة، ويسمى: أروس.

وقد زعم قوم أن البحر الرومي متصل بالبحر الشرقي، واحتجوا بأنه وصل في الزمان القديم قوم إلى جزيرة الأندلس في مراكب، فأغاووا عليها ووجدوا في مراكبهم النَّارَجيل (٢)، وهو شجر لا يكون إلا في البحر الشرقي يشبه شجر المُقْل، وليفُه يعمل به مراكب البحر الشرقي، لأنَّ مراكب البحر الرومي مسمَّرة بالمسامير، والبحر الشرقي كثير جبال المغناطيس فيشدون المراكبَ بليف النَّارَجيل.

قلت: وهذا القول بعيد لما بين البحر الشرقي والغربي من المسافات والبحار والجبال وغير ذلك.


(١) "صورة الأرض" ص ٢١.
(٢) النَّارَجيل: هو جوز الهند.