للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أنس: لما أراد رسول الله أن يدخل مكة استأذن أَهْلَها فأذنوا له، فدخلها من الثَّنِيَّةِ التي تُطْلِعُ على الحَجون، وبين يديه عبد الله بن رواحة آخِذٌ بزمام ناقته يرتجز ويقول: [من الرجز]

خَلُّوا بني الكفارِ عن سبيلهِ

خَلُّوا فكلُّ الخَيْرِ مع رسولهِ

يا ربِّ إني مؤمن بقيلهِ

أَعْرِفُ حقَّ الله في قَبولهِ

نحن ضربناكُم على تَأْويلهِ

كما ضربناكُم على تنزيلهِ

ضربًا يُزيلُ الهامَ عن مَقيلهِ

ويُذْهِلُ الخليل عن خليلهِ

فقال له عمر بن الخطاب: يا ابن رواحة أفي حرم الله وبين يدي رسول الله تقول الشعر؟ فقال رسول الله : "خَلِّ عنه يا عمرُ، فلَهِيَ أَسْرَعُ فيهم مِن نَضْحِ النَّبلِ" (١).

وقال ابن عباس: اصطف من بقي من الكفار بمكة عند دار الندوة لينظروا إلى رسولِ الله وأصحابِه، فلما دخل المسجد اضطبع بردائه وأخرج عضده الأيمن منه ثم قال: "رَحِمَ اللهُ امرءًا أَراهُم مِن نَفسِهِ قُوَّةً" ثم استلم الركن اليَماني، وخرج يُهَرْوِلُ وأصحابه معه يفعلون ذلك، فهرول ثلاثة أشواط ومشى باقيها، وإنما فعل ذلك لأن المشركين قالوا: قد وَهَنَتْهم حُمّى يثرب، فرمل في الطواف وسعى بين الصفا والمروة فصار ذلك سُنَّةً، ثم فعله في حجة الوداع (٢).

وعن ابن عباس قال: قدم رسولُ الله وقد وَهَنَتْهُم حُمَّى يثرب فقال المشركون: إِنَّه يَقْدُمُ اليوم قومٌ قد وَهَنَتْهُم الحمّى ولقوا منها شرًّا، فأَطْلَعَ الله نبيَّهُ على ما قالوا،


(١) أخرجه الترمذي (٢٨٤٧)، وابن حبان في "صحيحه" (٥٧٨٨)، وانظر "السيرة" ٢/ ٣٧١.
(٢) "السيرة" ٢/ ٣٧١.