للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيقلُّ الماءُ في موضع ويكثر في موضع.

والصنف الثالث: لا يظهر فيه المدُّ أصلًا، كغير الحَبَشي.

واختلفوا في علَّة المدِّ والجزر: أما علماء الهيئة فقد اختلفوا فيه: قال بعضهم: علته القمر، لأنه مجانس لعلة الماء وهو يسخِّنه فينبسط، ومثَّلوه بِقِدْرٍ فيها ماءٌ مقدار نصفها، فإذا غلى على النار ارتفع الغليان حتى يفور ويصعد، فإذا برد الماء نقص، لأنَّ من شرط الحرارة أن تبسط الأجسام ومن شرط البرودة أن تضغطها، فإذا امتلأ القمر حميت أرض البحر فانبسط الماء وارتفع، وإذا نقص نقص الماء.

وقال بعضهم: علَّته الأبخرة المتولدة في باطن الأرض، فإنها لا تَزال تتولد حتى تكثر وتكثف فيرد (١) ماء البحر بكثافتها، فإذا انقطعت الموادُّ بقلة الكثافة عاد ماء البحر إلى قعره.

والمختار عندي: أنَّ المدَّ والجزر من آيات الله تعالى، وأنَّه من آثار قدرته في العالم، لأنَّ كلَّ ما لا يوجد له قياس في الوجود فهو فعل إلهي يستدلُّ به على عظمة الباري سبحانه وقدرته، وليس للمدِّ والجزر قياس في العالم.

وقال أحمد بن حنبل بإسناده قال: سُئل ابن عباس عن المدِّ والجزر فقال: قد وكَّل الله بقاموس البحر ملكًا، فإذا وضع رجله فيه فاض البحر، وإذا رفعها غاض (٢).

وقد ذكره الجوهري فقال: وقاموس البحر وسطه ومعظمه (٣).

وروي عن مجاهد عن ابن عباس قال: الملك الموكل بالبحار يضع عقبه في بحر الصين فيكون منه المدُّ، ثم يرفع عقبه فيكون منه الجزر.

وقال مجاهد: وهذا ظاهر محسوس، فإن الإنسان لو وضع قدمه في إناء فيه ماء فإن الماء يرتفع إلى رأس الإناء، فإذا رفعها رجع الماء إلى حدِّه.


(١) في (ط): فبرد، والمثبت من (ل) وكنز الدرر ١/ ١٨٠، وفي مروج الذهب ١/ ٢٤٩ (وعنه ينقل): حتى تكثف وتكثر فتدفع حينئذ ماء هذا البحر لكثافتها …
(٢) أحمد في "مسنده" (٢٣٢٣٨).
(٣) "الصحاح": (قمس).