للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البحر المعروف بالنَّجَف في ذلك الوقت جاريًا، وكان مرسى السفن من الهند والصين إلى ذلك المكان، تحمل فيه الأمتعة إلى ملوك الحيرة لما كانت عامرة، ولما استحال الماء وانقطع عن مصبه في النجف صار ذلك البحرُ برًّا، وصار بين الحيرة والبحر مسافة.

والنَّجَفُ -بالتحريك- المكانُ الذي لا يعلوه الماء، ويقال: إن اسم هذا المكان نج وكان أهل الحيرة يستقون منه الماء، فأصبحت امرأة لتستسقي فرأته يابسًا فقالت: نج جف، ثم خفَّفوه.

وقد روي في فضل الفرات حديث: حدثنا جدي قال حدثنا إسماعيل بن السمرقندي بإسناده عن ابن مسعود عن النبي أنَّه قال: "ما مِن يَومٍ إلَّا وَينزِلُ مَثاقيلُ من بركاتِ الجنَّة في الفُراتِ". قال جدي (١) في "الأحاديث الواهية": هذا الحديث لا يصحُّ؛ في إسناده الربيع بن بدر، تركوا حديثه (٢).

قلت: وقد ذكر الزهريُّ ما يدلُّ على صحته، لأنَّه قال: ومصداقُ هذا الحديث أنَّ الفراتَ مدَّتْ في بعض السنين فجاءت برمَّانٍ كلُّ رمَّانةٍ مثلُ البعير، فكانوا يرون أنه من الجنة.

وقال البخاري بإسناده عن أبي هريرة: قال، قال رسول الله "يُوشِكُ أنْ يَحسِر الفرات عن كنزٍ من ذَهب، فمَنْ حَضَره، فلا يأخُذ منه شيئًا"، وفي رواية: "عن جبل من ذهب". أخرجاه في الصحيحين (٣).

ولمسلم عن أبي هريرة، عن النبي قال: "لا تَقومُ السَّاعةُ حتَّى يَحسِر الفُراتُ عن جبَلٍ مِن ذَهَبٍ، يَقتتِلُ النَّاسُ عليه، فيُقتَلُ مِن كلِّ مئةٍ تِسعةٌ وتسعُونَ، ويقولُ كلُّ رَجُلٍ منهم: لعلِّي أنْ أكونَ أنا الذِي أَنجُو" (٤).

وروي أن دانيال حفرها مع دجلة، وسنذكره.


(١) في (ب): "قال حدثني جدي".
(٢) "العلل المتناهية" (٣٨).
(٣) البخاري (٧١١٩)، ومسلم (٢٨٩٤) (٣٠).
(٤) مسلم (٢٨٩٤).