للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنارة الإسكندرية.

وقال آخر: نهر الذهب وجبُّ الكلب وقلعة حلب، فأما جب الكلب فيقال: إنه في الروم، وماؤه يبرئ من الكَلَب، وأما نهر الذهب فيقال: هو نهر بُزاعة فإنه يسقي البساتين والأراضي وما يفضل منه يصير في البرية ملحًا.

ومنها: بمصر بئر البلسم التي تسقي شعجر دهن البَلَسان.

ومنها: الهَرَمان، وسُمْكُ كلِّ واحد منهما خمس مئة ذراع في ارتفاع مثلها، وكلما ارتفع البناء، دقَّ رأسها حتى يصيرَ مثل مفرش حصير، وهما من المرمر، وعليهما جميع الأقلام اليونانية والعبرانية والسُّريانية والمسندية والحميرية والرومية والفارسية.

وحكى بعض علماء مصر قال: إنهم حلوا بعض الأقلام فوجدوه: "إني بنيتها بملكي، فمن ادَّعى قوةً فليهدمها، فإن الهدْم أيسرُ من البناء".

وحكى جدي عن ابن المنادي في "المنتظم" أنه قال: فحسبوا خراجَ الدنيا مرارًا فلم يفِ بهدمها (١).

قلت: وقد وهم ابن المنادي، فإن صلاح الدين ﵀ أمر أن تؤخذ منها حجارةٌ يبنوا بها قنطرة، فهموا منها شيئًا كثيرًا فبنوا جسرًا قريبًا منها يُمْشَى عليه في زمان زيادة النيل إلى الإسكندرية، وهو جسرٌ عظيم تولَّى عمارته قَرافوش الخادم.

وإنما في هدمها كلفةٌ لكونِ الحجارةِ ذَكَرًا في أنثى، وقد شاهدتُ الهرمين مرارًا، وأحدهما مسدودٌ والآخرُ فيه بابٌ تدخلُ الناسُ فيه، وحكى لي مَن دخله أنه وجد فيه قبرًا وأن فيه مهالك، وربما خرج منه الإنسان في سراديب إلى الفيوم، والظاهر أنها قبور الملوك الأوائلِ وعليها أساميهم وأسرارُ الفلك والسحرِ وغير ذلك.

واختلفوا في مَن بنى الأهرام، قال بعضهم: يوسف الصدِّيق، وقال آخرون: بناها نمرود، وقيل: دلوكة الملكة، وقال قوم: إنما بناها القبط قبل الطوفان، وكانوا يرون أنه كائن، فبنوها ونقلوا ذخائرهم إليها، وجاء الطوفان فما أغنى ذلك عنهم شيئًا، وقيل: إنه لا يُعْرَفُ من بناها، وهو الظاهر.


(١) "المنتظم" ١/ ١٦٦.