للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الباب الثامن والعشرون: في حيائه، ومُداراته، وشَفقته، وحِلمه، وصَفحهِ، ونحوه ﷺ -

وعن أنس: أنَّ النبيَّ ﷺ رَأَى على رجلٍ صُفرةً، فكرِهَها، وقال: "لو أَمرتُم هذا أن يَغسِل هذهِ الصُّفرةَ"، فكان لا يكادُ يواجهُ أحدًا، إنَّما يكره في وَجهه (١).

وأخرج مسلم، عن جابرِ بن سَمُرة، وقد سأله [سماك بن حرب]: كنتَ تُجالس رسولَ الله ﷺ؟ قال: نعم، كانَ طويلَ الصمتِ، قليلَ الضحِكِ، فكان أصحابُه يَذكرون عنده الشعرَ، وأَشياءَ من أُمورهم، فيضحكونَ، وربما تَبسَّمَ (٢).

وأما مُداراته، فقالت عائشة رضوان الله عليها: إن رجلًا استَأذَن على رسولِ الله ﷺ فقال: "ائْذَنُوا له، فبِئْسَ ابنُ العشِيرة"، أو "فَبِئْسَ أَخو العشِيرةِ"، فلما دخَلَ عليه، أَلَانَ له القَولَ، فلما خرَجَ، قالت له عائشةُ: قلتَ له الذي قلتَ، ثم أَلَنتَ له القولَ، فقال: "يا عائشةُ، شرُّ الناسِ منزلةً عندَ الله يومَ القيامةِ مَن ودَعَه الناسُ - أو تَركَه الناسُ - اتِّقاءَ فُحشِه" متفق عليه (٣).

وأما شفقته ﷺ فقال أنس: إنَّ النبيَّ ﷺ قال: "إنَّي لأدخُلُ في الصلاة وأنا أُريدُ أن أُطِيلَها، فأَسمعُ بكاءَ الصبيِّ فأَتَجاوزُ في صَلاتي، مما أَعلمُ من وَجْدِ أمَّه به". متفق عليه (٤).

وأما حِلمه وصَفحه فقالت عائشةُ رضوان الله عليها: ما ضربَ رسولُ الله ﷺ خَادِمًا له قطُّ، ولا امرأةً قطُّ، ولا ضربَ بيدهِ إلَّا أن يُجاهِدَ في سبيلِ اللهِ، وما نيلَ منه شيءٌ فانْتَقَم من صاحِبه إلاَّ أن تُنتَهكَ مَحارِمُ اللهِ، فيَنْتَقِم للهِ ﷿، وما عُرضَ عليه أَمران أَحدُهما أيسرُ من الآخرِ إلَّا أخذَ بأَيسَرِهما، إلَّا أن يكونَ مأْثَمًا، فإن كانَ مأْثَمًا كانَ


(١) أخرجه أحمد في "مسنده" (١٢٣٦٧).
(٢) صحيح مسلم (٦٧٠) وما بين معكوفين منه، وأخرجه أحمد في "مسنده" (٢٠٨١٠) واللفظ له.
(٣) أخرجه البخاري (٦٠٥٤)، ومسلم (٢٥٩١).
(٤) أخرجه البخاري (٧١٠)، ومسلم (٤٧٠).