للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بإحسان، وأمرتُهم أن لا يُقاتلوا أحدًا حتى يَدعونَه إلى داعية الله، فمن استجاب لهم وآمن وعمل صالحًا قَبلوا منه ذلك، ومن أبى قاتلوه وقتلوه أشرّ قِتْلة، وسَبَوا النّساء والذّراري، وعلى الله توكَّلتُ، وإليه أُنيب، والسلام، ثم أمر القوم بالمسير إلى الأماكن التي عيّنها لهم، فساروا.

وقعة بُزاخَة وهروب طُليحة إلى الشام

كان خروج طُليحة بعد مُسيلِمَة والأسود، ادَّعى النبوة، ونزل سَمِيراء، وقَوي أمرُه، فكتب سنان بن أبي سنان إلى النبي ﷺ يُخبره بأمره، وقال: الذي يأتيني يُقال له: ذو النون، وكتب إلى رسول الله ﷺ يدعوه إلى الموادعة، فردّ رسولَه خائبًا، ومن سَجعه: والحمام واليَمام، والصُّرَد الصَّوَّام، ليُفتَحنّ علينا العراقُ والشام.

والتقى خالد وطُليحة في يوم بُزاخَة على ماء من مياه بني أسد يقال له: قَطَن، على بريد من المدينة، وقيل هي من أرض نجد، ولما قَرُب خالد من بُزاخَة أرسل ثابتَ بن أَقرم وعُكَّاشة بن محصن (١) طليعةَ الجيش، فساروا بين يديه، وكان طُليحةُ وأخوه سلمة قد خرجا من العسكر يَتحسَّسَان الأخبار، فلقياهما، فقتل طُليحة عُكَّاشة، وسلمةُ ثابتًا، وعاد طُليحة وأخوه إلى عسكرهما، وأقبل خالد بالناس فوجدهما مَقتولين، فشقَّ عليه وعلى الناس، وجَزِعوا جَزعًا شديدًا، ولما نظر المسلمون إليهما مقتولَيْن ثَقُلوا على المطيِّ، حتى ما تكاد المطيُّ ترفع أخفافها، ثم أمر بهما خالد فدُفنا بدمائهما، وأخبر طُليحةُ عيينةَ بن حصن بقتل ثابت وعُكّاشة ففرح، وقال: هذا أولُ الفتح، ثم صبَّحهم خالد على بُزاخة، والتقوا فاقتتلوا قتالًا شديدًا.

وكان عيينة مع طليحة في سبع مئة فارس من بني فَزارة، وطليحة في أربعة آلاف، ومعه قُرَّة بن هُبَيرة في جَمعٍ عظيم، فنزل طُليحة فتزمَّل في كساء له بفِناء بيتٍ من شَعَر، بيتًا لهم يزعم أنه يُوحى إليه، فقاتل عُيينة حتى هَدَّته الحربُ وأضرستْه، فجاء إلى طُليحة وقال: أتاك جبريل بعد؟ قال: لا، أنا في انتظاره، فعل ذلك ثلاثًا، فلما كان في الرابعة قال: جاء جبريل بعد؟ قال: نعم، قال: فما الذي قال لك؟ قال: قال لي: إن لك رَحًا


(١) في (أ) و (خ): عكاشة بن قيس؟!