للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خمسون وثلاث مئة سنة. قال: فما أَدْرَكْتَ؟ قال: السُّفن تأتي في هذا البحر - يعني النَّجف - بمتاع السَّند والهند، ورأيتُ المرأة تضعُ على رأسها المِكْتَل، لا تتزوَّد إلَّا رغيفًا واحدًا حتى تأتي الشام، ثم أصبحت الدنيا اليومَ خرابًا. فقال خالد: أسِلْمٌ أنت أم حَربٌ؟ قال: سِلْم. قال: فما هذه الحصونُ التي أرى؟ قال: بنيناها للسَّفيه نحبسُه عنَّا حتى يأتي الحليمُ فينهاه. فقال له خالد: فإني أدعوكم إلى الإِسلام، [فإن أبيتم فالجزية] فإن أبيتُم قاتلتكم برجالٍ يحبُّون الموت كما تُحبُّون شُربَ الخمر، فقال: لا حاجة لنا بقتالكم. فصالحه على تسعين ومئة ألف درهم. وفي رواية ابن الكلبي: فهي أول جزيةٍ حُملت من العراق.

قال: ونظر خالد إلى عبد المسيح فرآه يُقلَّبُ شيئًا في يده، فقال له: ما هذا؟ قال: سَمُّ ساعةٍ، قال: وما تَصنع به؟ قال: إن وجدتُ عندك ما يُوافقُني وقومي قبلتُه، وإلا لم أكن بأول مَن ساق إلى قومه ذُلًّا وشرًا، فأشربه فأستريح من الحياة، فقال له خالد: فهاته، فناوله إياه، فقال خالد: بسم الله وبالله رب السماوات والأرضين الذي لا إله إلا هو، لا يضرُّ مع اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، ثم أكله فتجلَّلَتْه غَشيةٌ، وضرب بذَقنه على صدره، ثم عَرقَ، وأفاق كأنما أُنشِط من عِقال، فرجع عبد المسيح إلى قومه، فقالوا: ما وراءك؟ فقال: جئتُكم من عند شيطانٍ أكل سَمَّ ساعةٍ فلم يضرَّه، فصالحوه على ما أراد، فهذا أمره معمول لهم، فصالحوه، وشرط عليهم خالد أن يكونوا عونًا للمسلمين، فدخلوا تحت شرطه، وكان عبدُ المسيح نصرانيًا عاش خمسين وثلاث مئة سنة وقد ذكرناه. وهو الذي بعثه كسرى إلى سطيح بالشام يسألُه عن رؤياه، وقد ذكرناه.

وفي روايةٍ عن هشام عن أبيه قال: لما نزل خالدٌ الحيرةَ تَحصّن منه أهلُها، فأرسل إليهم: ابعثوا إليَّ رجلًا من عُقلائكم، فبعثوا عبد المسيح، فلما أتى خالدًا قال له: أنعِم صباحا أيها الملكُ؟ فقال خالد: قد أغنانا الله عن تَحيَّتك، وذكر بمعنى ما تقدَّم (١).


(١) انظر كتاب الردة للواقدي ٢٢٧ - ٢٢٨، وتاريخ الطبري ٣/ ٣٤٤ - ٣٤٥، وفتوح البلدان ٢٤٤ - ٢٤٥، ومروج الذهب ١/ ٢١٦ والبيان والتبيين ٢/ ١٤٧، وأمالي المرتضى ١/ ٢٦٢، والمنتظم ٤/ ٩٨ - ١٠٠، وأعمار الأعيان ١١٨ - ١٢٠، وفيه فضل تخريج.