للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن الوليد إلى مَرازِبة أهل فارس، سلامٌ على مَن اتَّبع الهدى، أما بعد، فالحمد لله الذي سَلبكم مُلكَكم، وفضَّ جُموعَكم، ووَهَّن كيدَكم، وإنه مَن صلَّى صلاتَنا، وأكل ذَبيحَتَنا فهو المسلم الذي له ما لنا، وعليه ما علينا، فإذا جاءكم كتابي هذا فابعثوا إلى بالرُّهُن، واعتَقدوا مني عقد الذِّمَّة، وإلا فوالذي لا إله غيره لأبعثنَّ إليكم قومًا يُحبون الموتَ كما تُحبون الحياة، والسلام. فلما قرؤوا كتابَه جعلوا يَتعجَّبون (١).

وقال سيف: لمّا فرغ خالد من اليمامة كتب إليه أبو بكر رضوان الله عليه: إنِ اللهُ فتح عليك فاقصد العراق حتى تلتقي عِياضَ بنَ غَنْم، وهو بين النَّباج والحجاز، وكتب إلى عياض أنْ سِرْ حتى تأتي المُصَيَّخ فابدأ بها، ثم ادخل العراق من أعلاها وعارِقْ حتى تلتقي خالدًا، وأْذَنا لمِن شاء بالرجوع، ولا تَفتح العراق بمُتكاره.

واستمدَّ خالد أبا بكر، فأمدَّه بالقعقاع بن عمرو التميمي وحدَه، فقيل: أتمدّه برجلٍ واحد؟ فقال: لا يُهزم جيشٌ فيه مثل القعقاع، وأمدّ عِياضًا بَعَبد بن يَغوث الحِميري، وَكتب إليهما: استَنفِرا مَن ثَبت على الإسلام، ولا يَحضُرنَّ معكم مرتدّ، فلم يشهد تلك الأيام مرتدّ.

فقدم خالد الأُبُلّة، وكان أبو بكر قد أمرهم بفَرْج الهند، وكان على موضع البصرة من قبل الفرس، قُطبة بن قتادة السَّدوسي، وعلى الأُبُلّة هرمز في ثمانية عشر ألفًا (٢) - فكتب خالد إلى هُرمز: أما بعد، فأَسلِم تَسلَم، أو أَقِرَّ بالجزية، وإلا فلا تَلُومَنَّ إلا نفسَك، فقد جئتُك بقومٍ يُحبون الموت كما تحبون الحياة.

ولم يَسلك خالد بالجيش جُملة، وإنما فَرّقهم في ثلاث طُرف، فسرَّح المثنى قبله بيومين ودليلُه ظَفَر، وسَرَّح بعده عَديَّ بن حاتم وعاصم بن عمرو، [ودليلاهما مالك بن عباد] وسالم بن نَصْر، أحدهما قبل صاحبه بيوم، وخرج خالد ودليله رافع بن عمرو، ووعدهم جميعًا الحَفير ليجتمعوا هناك، ويُصادموا هُرمزًا، وكان فَرْجُ الهند - وهو الأُبُلَّة - أعظمَ بلاد فارس شأنًا، وأشدّه شَوكةً، وكان صاحبُه يُحارب العرب في البَرّ، وأهلَ الهند في البحر.


(١) كتاب الردة ٢٢٥، والطبري ٣/ ٣٤٦، والمنتظم ٤/ ١٠٠ - ١٠١.
(٢) كذا، وانظر تاريخ الطبري ٣/ ٣٤٣ وما بعدها، والمنتظم ٤/ ١٠١.