للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المناجزة، فاختاروا الصُّلح، وأَدَّوا الجِزية، وصالحوه كلَّ سنة على مئة ألف وَتسعين ألف درهم، وأهْدَوا له هدايا، فبعث بالهدايا والفتح إلى أبي بكر رضوان الله عليه فقبلها، وكتب إلى خالد: احسب لهم هداياهم من الجزية.

وكان هذا الفتح في ربيع الأوّل [من هذه] السنة، ثم إنهم كفروا بعد موت أبي بكر رضوان الله عليه، ومنعوا ما كانوا يُؤَدُّونه، فحاربهم المثنى فأذعنوا، ثم كفروا، فقاتلهم سعد بن أبي وقاص وأجلاهم، لما نذكر.

قصة سُويد بن مُقَرْن (١) مع كَرامة بنت عبد المسيح

ولما فتح خالد الحيرة قام شُوَيل وقال: يا خالد، سمعت رسول الله يَذكر فتح الحيرة ويقول: "كأن [شُرَفَ] قصورها أضراسُ الكلاب" (٢)، وكانت قد وُصفت له كَرامة، فسألته إياها، فقال رسول الله : "إذا فُتحت عَنوة فهي لك"، فقال خالد: مَن يشهد لك؟ فقام جماعة، فشهدوا له، فلما حاصر خالد القصر الذي هي فيه، أرسل أبوها عبد المسيح يسألُه الصُّلْح عليها، فأبى خالد، وقال: لا بد منها، فقال أبوها: إنكم لم تفتحوا القصر عَنوة، وتوقّف الحال، فقالت كرامة: ادفعوني إليه، ما تخافون عليّ وأنا عجوز قد بلغتُ ثمانين سنة، وسأفدي نفسي، وهذا رجلٌ أحمق، رآني في حال شبيبتي، فظنّ أن الشباب يدوم ففعل هذا، فدفعوها إليه، فخدعتْه وقالت: ما أَرَبُك إلى عجوزٍ كما ترى، فاشترت نفسها منه بألف درهم، وكان يظنُّها شابَّة، فقال: ما أرى إلا عجوزًا، فدفعتها إليه وأطلقها، فقال له خالد: ويحك ما صَنعتَ؟ لو طلبتَ فيها أُلوفًا لأخذتَ، فقال: ما كنتُ أظنُ عددًا يزيدُ على أكثر من ألف درهم، فقال خالد: أردتَ أمرًا وأراد الله غيره. واستقام لخالد ما بين الفَلاليج إلى أسفل السَّواد، وقال هشام: استقام له من الكوفة إلى دجلة التي عليها المدائن.


(١) كذا، وفي تاريخ الطبري ٣/ ٣٦٤ و ٣٦٥، والمنتظم ٤/ ١٠٤، والاكتفاء ٤/ ٩٢ و ٩٣، والكامل ٢/ ٣٩١، والبداية والنهاية ٩/ ٥٢٣: (هجر): شويل رجل من الصحابة. وهو الصواب.
(٢) في النسخ: أبيات للكلاب، والمثبت من الطبري ٣/ ٣٦٦.