للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شماتة الأعداء بنا، فأرسل رستم والفيرزان إلى بوران بنت كسرى: سلي نساء كسرى وسراريّه، هل له ولد، فأرسلت إليهن، فأَنْكرن، فهُدِّدنَ بالعذاب، فأَقْررَرْن بغلامٍ اسمه يَزْدَجِرد، من ولد شَهْريار بن كسرى، وأنه عند أمِّه، وهي من أهل بادَرايا (١)، فأرسلوا إِلى أمه، فجاءت وهو معها، فسألوها عنه، فقالت: كنا في القصر الأبيض، فلما قتل كسرى الذّكور من أولاد الملوك، هربتُ به إلى أخواله خوفًا عليه، وكان ابنَ إحدى وعشرين سنة، فملّكوه عليهم.

وهو يزدجرد بن شَهْريار بن أبرويز، وسمّي المشؤوم؛ لأن الفُرس كانت ترى أنه يزول مُلكهم على يده، وصِغر سِنّه هو الذي أوجب تمليك بوران وأختها، وقيل: كان قد نُفي إلى خراسان، فأحضروه وهو ابن خمس وعشرين سنة، ومَلّكوه عليهم، واستقام أمرُ فارس على يد يزدجرد في هذه السنة، فجلس على سرير الملك، وقال كلمات حُفظت عنه، منها: إن بالعدل والسياسة يتمُّ الملك، وبالإحسان يستعبد الأحرار. وأقام واليًا عشرين سنة، حتى زال مُلك فارس على يده في أيام عثمان.

ولما ولي رتّب الأمور، وأخرج الأموال، وجهّز الجيوش إلى الحيرة والأنبار والأُبُلّة وكَسْكَر وما بيّن دجلة والفرات.

وانحاز المثنى إلى خَفَّان، وكتب إلى عمر يُخبره بذلك، فلم يَرِد جوابُه، حتى كفر أهلُ السواد ونَقضوا العهد، فجاء كتابُ عمر يَأمر المثنى بأن يَخرجوا من بيّن ظَهرانَي الفرس، وأن يتفرّقوا في المياه التي في البرية، حتى يأتيهم المدد، فنزل المثنّى بذي قار، وهو مكان بيّن الحجاز والعراق، ونزل جرير بن عبد اللَّه في البرّية، وكتب عمر إلى القبائل يَستَنْفرهم ويقول: الوحا الوحا، العَجَل العَجَل، فوافَوْا إليه من كلّ مكان.

وخرج عمر في أول المحرم سنة أربع عشرة، فعسكر بماءٍ يُدعى صِرارًا، وفي عَزْمِه أن يَسير بنفسه إلى العراق، ولا يَعلم الناسُ بما في قلبه، وكان مَهيبًا، فأقام، ولا يدري الناس أيُقيم أو يَسير، وكان لا يقدم عليه أحدٌ من الناس إلا عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، وكان الناس إذا أرادوا منه شيئًا رَمَوْه بأحد الرَّجلين، وكان عثمان


(١) في تاريخ الطبري ٣/ ٤٧٧، وتجارب الأمم ١/ ١٩٦، والمنتظم ٤/ ١٥١: بادوريا.