للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالزمْه (١)، وإنك قادمٌ على أمرٍ شديدٍ كريهٍ، لا يخلص منه إلا بالحق، فالصبر الصبر، وذكر وصيَّة عامة، ثم عرض الجُند، فجاءت كندة، فأعرض عنها مرارًا، ثم قال: إني منهم لمتردّد، ثم أمضاهم على كُرهٍ منه، وكان منهم سودان بن حُمْران قاتل عثمان رضوان اللَّه عليه، وابن مُلجم قاتل عليّ كرم اللَّه وجهه، فسار سعد في سبعة آلاف، منهم ثلاث مئةٍ وستون من الصحابة، منهم ثمانية وعشرون من أهل بدر، والباقون ممن صحب النبي ﷺ ما بيّن بيعة الرضوان إلى وفاته، وسبع مئة من أبناء الصحابة، ومن أشراف العرب خلقٌ كثير، وكان عمر قد قال: واللَّه لأضربنّ ملوك العجم بملوك العرب، فلم يدع رئيسًا إلا وبعث به مع سعد وأمدّه به.

وجاء سعد فنزل القادسية، وانضاف إليه جيش المثنّى في ثمانية آلاف، وكان المثنى قد مات من الجراحة التي أصابته يوم الجسر، وكتب عمر إليه وإلى جرير بطاعة سعد، فتكامل عنده بالقادسية تسعة وثلاثون ألفًا، وقيل تسعة وعشرون ألفًا، وهو الأصح، وجاءت القبائل من كلِّ وَجْه.

ولما بلغ يَزْدَجِرد نزولهم القادسية، جهّز إليهم الجيوش، وولّى حربَهم رستم بن الفَرُّخْزاذ، ويُعرف بالأرمنيّ، وقدم الجالينوس في مقدّمته في أربعين ألفًا، وجعل على الميمنة الهُرْمزان في أربعين ألفًا، وعلى الميسرة مِهْران بن مهران في أربعين ألفًا، ورستم في المقدمة في مئة وعشرين ألفًا، ومعهم ثلاثون فيلًا عليهم المقاتلة والسلاح، وانضمَّ إليهم دهاقين السواد، فصاروا في ثلاث مئة ألف.

فكتب سعد إلى عمر يُخبره بجمع القوم، فكتب إليه عمر: لا يَكثُر بك (٢) ما يأتيك عنهم، ولا [ما] يأتونك به، واستعن باللَّه عليهم، وتَوكَّل عليه، وابعث إليهم رجلًا من أهل الرأي والنَّظر، يدعوهم إلى اللَّه تعالى.

فبينا سعد على هذا العزم إذا برسول رستم قد جاء يقول: ابعثوا إلينا رجلًا عاقلًا يبين إلينا ما الذي جاء بكم إلينا، فقال المغيرة بن شعبة: أنا ذلك الرَّجل، فسار إليه،


(١) في الطبري ٣/ ٤٨٣، وتجارب الأمم ١/ ١٩٨: فانظر الأمر الذي رأيتَ النبي ﷺ عليه، منذ بعث إلى أن فارقنا فالزمه.
(٢) في الطبري ٣/ ٤٩٥: لا يكرُبنك.