للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شَحمة فهو ابنُه، قال: فأرسل إليه عمر فأقرَّ، فقال لعلي: اجلِده، فضربه عليٌّ خمسين، وضربه عمر خمسين، فقال لعمر: يا أبة قتلتَني، فقال: إذا لقيت ربَّك فأخبره أن أباك يُقيمُ الحدود. ثم قال جدي: هذا حديثٌ موضوع، وضعه القُصّاص فأَبدؤوا فيه وأعادوا، وشرحوا فأطالوا (١).

ثم أخرجه جدي من طرقِ: أحدها عن سعيد بن مسروق، ومجاهد عن ابن عباس، وعبد القدوس بن الحجاج. فأما طريقُ سعيد بن مسروقٍ فقد ذكرناه.

وأما طريقُ مجاهد عن ابن عباس، فقال مجاهد: تذاكر الناسُ فضلَ أبي بكرٍ وعمر في مجلس ابن عباس، فبكى ابنُ عباسٍ وقال: رحم اللَّهُ رجلًا لم تأخذْه في اللَّه لومةُ لائم، أقام الحدود كما أُمر، لم يَزدجر عن قريبِ لقرابتهِ، ولم يَحِف على البعيد لبُعدِه، ولقد أقام الحدَّ على ولدهِ حتى قتله.

بينما أنا عنده ذات يوم ونحن بالمسجد، إذا بجاريةِ قد أقبلت تتخطّى رقاب المهاجرين والأنصار، ومعها ولدٌ تحملُه، فقالت: السلامُ عليك يا أمير المؤمنين، خذ هذا الولدَ فأنت أحقُّ به مني. قال: ومن أين؟ قالت: هو ولدُ ولدِك أبي شَحْمة؛ مررتُ في بعضِ الأيّام لحاجتي عند حائط لبني النّجار، فإذا بصائحِ يَصيح من ورائي، فالتفتُّ فإذا بابنك أبي شحمة يتمايل سُكْرًا، وكان قد شرب عند نُسَيكةَ اليهوديِّ، فجرَّني إلى الحائط، وتوعَّدني فأُغمي عليَّ، فما أفقتُ إلا وقد نال مني ما ينالُ الرجلُ من امرأته، ثمَّ كتمتُ أمري عن أهلي، وإذا بي حاملٌ، فوضعتُ هذا الغُلام، فأردتُ قتلَه ثم نَدمتُ، وقد أتيتُك به، فاحكُم بيني وبين ولدِك بحكم اللَّه.

فأمر عمرُ مُناديه فنادى: يا معاشر المهاجرين والأنصار، فأقبلوا مُسْرِعين، فقام وأتى بيتَ أبي شَحمة وأنا معه، فدخل عليه فقال: يا بُنيّ، أمالي طاعةٌ؟ قال: بلى، طاعتان: طاعةُ الوالد، وطاعةُ الخلافة، فقال: باللَّه وبحقّي عليك، هل كنتَ ضيفًا لنُسَيْكةَ اليهودي، فشربتَ عنده الخمرَ، وواقعتَ امرأةً في وقت كذا؟ فقال: يا أبة، قد كان ذلك وأنا تائبٌ، فقال عمر: التوبةُ رأسُ مال المذنبين، وقبض عمرُ على يده،


(١) الموضوعات (١٨٣٦).