للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيها كتبَ عمر بن الخطَّاب إلى أبي عبيدة أن يُولّي معاوية بن أبي سفيان حرب قَيْسارية، ويولي عمرو بن العاص حرب إيلياء يعني بيت المقدس، وقال هشام: إنَّما وَليَ حربَ الساحل عمرو بن العاص (١).

وفيها جرت وقعةٌ أخرى بأجنادين. قال سيف وغيره: لما فتحت حمص وقِنَّسرين اجتمع عسكرُ الروم بأجنادين وقَيْساريّة وغزّة والسواحل، فجهَّز إليهم أبو عبيدة شُرَحبيل بن حَسَنة ومعاوية وعمرو بنَ العاص وعلقمة بن مُجَزِّز، وكان بأجنادين الأرطَبون من عظماء الروم، وبغزة القيقار عظيمٌ آخر، فنازل معاوية قيسارية، فخرجوا إليه مرارًا وهو يهزمهم، فيقال: إنه قتل منهم ثمانين ألفًا، ثم افتتحها، وكان الأرطبون ملكًا ذا رأي داهيةً، وهو نائب هرقل بالسواحل والقدس.

ومضى علقمة بن مجزز فنازل القيقار بغزة، والأرطبون نازلٌ بأجنادين، وعساكر المسلمين بإزائه، عليهم عمرو بن العاص لا يَقدرون على شيءٍ، وكان عمر قد استخلف أَبا الأعور السُّلَمي على الأردن، وجعل على مقدّمته شرحبيل بن حَسَنة، وعلى الميمنةِ ولده عبد اللَّه بن عمرو، وعلى الميسرة جُنادة بن تميم المالكي، فنازل أجنادين، والروم في الحصون قد خَندقوا عليهم، ورتَّب الأَرطبون العساكر بالرَّملة وإيلياء، فأقام عمرو مُدَّةً لا يقدرُ منهم على شيء، فسار (٢) فنزل على غزة، فبعث إليه عِلْجُها: أبعث إليّ رجلًا من أصحابك حتى أكلّمه، [ففكّر عمرو وقال: ما لهذا أحد غيري، فخرج حتى دخل على العِلْج فكلّمه، فسمع كلامًا لم يسمع مثلَه قط، فقال العِلج: حدِّثني هل في أصحابك أحدٌ] مثلُك (٣)، فقال: لا تسأل عن هواني عليهم إذ بَعثوني إليك، وعَرَّضوني لما عَرّضوني له، [ولا يَدرون ما تصنع بي] فأمر له بجائزةٍ وكُسوة، وأرسل إلى بوّابه: إذا مرَّ عليك فاقتُله وخُذْ ما معه، فمرّ عمرو برجلٍ من نصارى غَسّان فعَرفه، فقال: يَا عَمرو، قد أحسنتَ الدخول فأحسن الخروج، ففَطِن،


(١) قوله: وقال هشام. . . ليس في (أ) و (خ).
(٢) في (ك): لا يقدر منهم على شي، فدخل عمرو على الأرطبون في زي رسول، فعرفه، فأراد قتله، فخدعه عمرو ونجا منه. وبهذا اختصر القصة التي وردت في (أ) و (خ).
(٣) في (أ) و (خ): أبعث إلى رجلان من أصحابك حتى أكلمه يقال مثلك، والمثبت من العقد الفريد ١/ ١٢٤.