للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الناسُ يُحادث بعضُهم بعضًا كما يتحدَّثون على الطُّرق، وكان الفرسُ يَعوم براكبه، فربَّما لم يَبلغ الماءُ إلى الحزام، وربما أعيا الفرسُ فتَظهر له تَلْعَةٌ يَستريحُ إليها، وكان سلمان يسايرُ سعدًا ويتحادثان، وسعدٌ يقول: حسبُنا اللَّه ونعم الوكيل، حتى خرجوا ولم يفقدوا شيئًا، إلَّا قَدَحًا من خشب، فأخذه رجلٌ فجاء به إلى العسكرِ، فعرفه صاحبُه فأخذه.

فلما رأت الفُرس ذلك قالوا: إنما نُقاتل الإنس لا الشياطين والجن، فهربوا وتركوا جمهور أموالهم، وكان يوم عبورهم يُدعى يوم الجراثيم، ومعناه: أنه لا يَعيا أحدٌ من المسلمين إلَّا ظهرت له جُرثومةٌ يستريح عليها. والجرثومةُ: الأصلُ، كان يَظهر لهم في دجلة جراثيم، وهي الرمل يجتمع في أماكن مثل الجزيرة.

ورأى عظماءُ الفرس أمرًا عظيمًا لم يكن في حسابهم، فأعجلوهم عن أموالِهم، فدخلوا القصرَ الأبيض فتحصَّنوا به، وطلبوا الأمانَ على نُفوسهم، فأمَّنوهم، وهرب يزْدَجِرْد بعياله إلى حُلْوان، وترك أموالَه وذخائرَه، ولم يَحمل إلا شيئًا يسيرًا، واستولى المسلمون على الباقي.

ونزل سعد القصرَ الأبيض واتَّخذه مُصلَّى، وقرأ: ﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾ [الدخان: ٢٥] ولم يغيِّر سعدٌ ما كان في الإيوان من التماثيل، وصلى فيه الجمعة في أول ربيع الأوَّل، وهي أوَّل جُمعةٍ جُمِعت بالعراق في سنة ست عشرة. وأتمَّ سعد الصلاة لأنه كان على نيّة الإقامة.

وقال الخطيب: ولما دخل عليٌّ الإيوان في مسيره إلى صِفّين أمر بالتماثيل فقُطعت رؤوسُها ثم صلَّى فيه (١).

وقال الخطيب: ولما بنى المنصورُ بغداد عزم على نقض الإيوان ليستعين في بنائها، ثم انصرف عن ذلك (٢). وسنذكر القصة في سنة خمسٍ وأربعين ومئة عند بناء بغداد.


(١) تاريخ بغداد ٧/ ٣، والمنتظم ٤/ ٢٠٧.
(٢) تاريخ بغداد ١/ ١٣٠.