للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت الفُرسُ لما هربوا من المدائن ووصلوا إلى جَلُولاء قال بعضهم لبعضٍ: إنِ افترقتُم بعدها لم تجتمعوا أبدًا، فاثبتوا على قتالهم، فإن كانت لنا فهو الذي نُريد، وإن كانت علينا كنّا قد قضينا ما علينا، فاجتمعوا وخندقوا عليهم، ويزدجرد مقيمٌ بحُلْوان يُمدُّهم بالأموال والرجال.

وجاءهم هاشمٌ في وجوه المهاجرين والأنصار، وسادات العرب وأشرافهم، وخرج إليهم مهران، واقتتلوا قتالًا عظيمًا، وأرسل اللَّه عليهم ريحًا سوداء أظلمت الدنيا، فتهافتوا في الخندق، وقُتل منهم يومئذٍ مئةُ ألفٍ، فجَلَّلَتِ القتلى الأرضَ والمحال والطرق، فسُمِّيت جَلُولاء لما جلَّلها من قتلاهم، وهربوا إلى حُلوان، فأدرك القعقاع مِهرانَ بخانقين فقتله، وبلغتِ الهزيمةَ يزدجرد فسار من حلوان نحو الجبل.

وأصاب خارجةُ بن الصَّلتِ يومئذ ناقةً من ذَهبٍ، عليها رجلٌ من ذهبٍ مُرَصَّع بالدرِّ والياقوت، فدفَعها إلى هاشم بن عُتبة، فبعث بها إلى سعد، وكان الهرمزانُ مع مهران، فقُتل مهران ونجا الهرمزان.

فصل في ذكر غنائم جَلُولاء

قال علماء السير: اقتسموا غنائمَ جَلُولاء على كل فارسٍ سبعة آلاف وتسعة من الدواب.

وحكى سيف عن الشعبيّ قال: اقتسم النَّاسُ فَيء جَلُولاء على ثلاثين ألف ألف، فكان الخُمْس ستةَ آلاف ألف.

قال سيف: فلما قدِموا به على عمر قال: واللَّه لا يُجِنُّه سقفُ بيتٍ حتى أقسمَه، فبات عبدُ الرحمن بن عوف وعبد اللَّه بن أرقم في المسجد يَحرُسانه، فلما أصبح عمرُ جاء فكشف عنه الأَنْطاع، فلما نظر إلى ياقوتِه وجوهرِه ولُؤلؤِه وزبرجده بكى، فقال له ابن عوفٍ: ما يُبكيك يَا أمير المؤمنين؟ واللَّه إنه لمَوطنُ شكرٍ، فقال عمر: واللَّه ما ذاك يُبكيني، وواللَّه ما أعطى اللَّه هذا قومًا إلا تحاسدوا وتباغضوا، وما تحاسدوا إلا أُلْقِي بأسُهم بينهم، ثم قسمه بين الناس (١).


(١) انظر تاريخ الطبري ٤/ ٢٩ - ٣٠، والمنتظم ٤/ ٢١٣ - ٢١٤.