للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محالة، والذي بعد الموت من حساب الديّانِ أعظمُ. حفرتُ قبري هذا بيدي قبل أن أصير إليه بمئةٍ وخمسين عامًا، ووضعتُ سريري هذا فيه، وقد علمتُ أن الجفاةَ الأَجلاف يخرجوني من غاري، ويُنزلوني عن سريري، وهم يومئذٍ مُقِرُّون بربوبيّة الديّان الأعظم، وعند ذلك يتغيَّرُ الزمان، ويتأمَّرُ الصبيانُ، ويكثر الحَدَثان، ويظهرُ البُهتان، فمَن أدرك ذلك الزمان عاش قليلًا ومات ذليلًا، وبكى كثيرًا، ولا بُدَّ مما هو كائن أن يكون، والعاقبةُ للمتّقين، وقد رأيتُ الثلج نازلًا على هذا الجبلِ في تموز مرارًا، فإن رأيتُم ذلك، فلا تَعجبوا (١).

فصل: وفيها أصاب جماعةٌ من المسلمين من الشَّراب بالشام، فسألهم أبو عبيدة: كيف تأوَّلتموه؟ فقالوا: تأوَّلنا قولَه تعالى: ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ [المائدة: ٩١] فقد خيّرنا فاخترنا شُربه، فكتب أبو عبيدة فيهم إلى عمر بن الخطاب، فكتب إليه: اسألهم، فإن زعموا أنها حلالٌ فاقتُلهم، وإن زعموا أنَّها حرامٌ فاجلدْهم ثمانين، فسألهم فاعترفوا أنها حرامٌ، فجلد كلَّ واحد ثمانين، ثم قال عمر: لَيَحدُثَنَّ في هذا العام حادث، فحدث القحطُ والجوعُ والطاعون.

وقال هشام: إنَّما حدث الطَّاعون بالشام لأجلِ هؤلاء الذين شربوا الخمر، وكان فيمن شرب أبو جندل.

وفيها أَجدبتِ الأرضُ فكانت تَسفي الريحُ تُرابًا كالرَّماد، فسُمّي عام الرمادة، واختلطت الوحوشُ بالإنس، فصارت تَأوي إليهم.

وقال ابن سعدٍ بإسناده عن حزام بن هشام، عن أَبيه قال: لمَّا صَدر النَّاسُ من الحجّ سنة ثماني عشرة أصابَ النَّاسَ جَهدٌ شديدٌ، وأجدَبت البلادُ، وهلكت الماشيةُ، وجاع الناسُ وهلكوا، حتى كان الناسُ يُرَوْن يَستفُّون الرُّمَّةَ، ويَحفرون نُفَق اليرابيع والجُرذان يُخرِجون ما فيها.

قال: وقال الواقدي فيما حكاه عن أشياخه: إنما سُمّي عامَ الرَّمادة لأن الأرضَ كلَّها صارت سوداء، فشُبِّهت بالرَّماد، وكانت تسعةَ أشهر (٢).


(١) المنتظم ٤/ ٢٤٧ - ٢٤٩.
(٢) طبقات ابن سعد ٣/ ٢٨٨.