للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت مدّة الجهد تسعة أشهر.

[حديد استسقاء عمر بن الخطاب بالعباس]

روى سيف بن عمر، عن سهل بن يوسف، عن عبد الرحمن بن كعب قال: أقبل بلالُ بن الحارث المزنيُّ إلى عمر فقال: أنا رسولُ رسول اللَّه إليك؛ إنَّه يقرأ عليك السلامَ ويقول لك: لقد عَهِدتُك كَيِّسًا، فما شأنُك؟ قال: فخرج عمر فصعد المنبرَ ونادى: الصلاة جامعةٌ، فاجتمع النَّاسُ فقال: أَنشُدُكم اللَّه، هل تعلمون مني أمرًا غيرُه خيرٌ منه؟ قالوا: اللهمَّ لا، قال: فإن بلالَ بنَ الحارث يقول ذَيَّة وذَيَّة، قالوا: صدق بلال، فاستَغِث إلى اللَّه بالطلب والاستسقاء، فقال عمر: اللَّه أكبر! بلغ البلاءُ مُدَّتَه؛ ما أُذِنَ لقومٍ في الطلب إلَّا وقد رُفع عنهم البلاء. ومعنى ذَيَّة وذَيَّه، أي: كَيْتَ وكَيتَ (١).

فخرج إلى المصلَّى، فصلّى ركعتين واستسقى، وأخذ بيد العباس وقال: اللهمَّ إنَّا نَتقرَّب إليك بعمِّ نبيِّك ونَستشفع به، فاحفَظْ به نبيَّك كما حفظتَ الغُلامَيْن بصلاح أبيهما، وقد أتيناك مُستغفِرين ومُستشفعين، اللهمَّ إن الرَّاعي لا يُهمل الضالّة، ولا يَدع الكَسير بدار مَضِيعة، وقد ضَرع الصغير، ورقَّ الكبير، وارتفعت الشكوى، وعَظُمت البَلوى، وأنت تعلم السِّرَّ والنَّجوى، اللهمَّ فأَغِثْهم بغياثك من قبل أن يَقنطوا فيَهلكوا، فإنه لا يَيأس من رَوح اللَّه إلَّا القومُ الكافرون، فنشأت طَريرةٌ من سحاب، فقال الناس: تَرون تَرون! ثم تلاءمت واستَتَمَّتْ، ثم هَدرت ودَرَّت، فواللَّه ما بَرحوا حتى اعتقلوا الحِذاء، وقَلَّصوا المآزر، والعباس يبكي، وعيناه تَنضحان، فطَفِق الناس يَمسحون أركانَه ويقولون: هنيئًا لك يَا ساقي الحرمَيْن.

قال الفضل بن عُتبة بن العباس بن أبي لهب: [من الطويل]

بعمّي سقى اللَّه الحجازَ وأهلَه … عَشِيَّةَ يَستسقي بشَيبته عُمرْ

توجَّه بالعباس في الجَدْب راغبًا … فما كرَّ حتى جاء بالدِّيمة المطرْ (٢)

وقال هشام: ذبح رجلٌ من مُزَينةَ شاةً، فسلخها عن عظمٍ أحمر فنادى: وامحمَّداه


(١) تاريخ الطبري ٤/ ٩٨ - ٩٩، والمنتظم ٤/ ٢٥٠.
(٢) تاريخ دمشق (عبادة - عبد اللَّه بن ثوب) ١٨٧ و ١٨٩، ومن قوله: فخرج إلى المصلى. . . إلى هنا ليس في (ك).