للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جُوَيْرِية، فجلست بين يدي عمر، فجعل يَستطعمها الكلامَ ما حَلْيُك؟ فقالت: كذا وكذا، وسمعتْه أُمُّها من داخل البيت فقالت: كأنك تُريد العِقد أو التاج؟ قال: نعم، فقالت: نعم، قسمه أبو عبيدة بين المسلمين، ولم يُعطِنا منه شيئًا، فسكت.

ولم يذكر هشام اسمَ امرأة أبي عبيدة، وذكرها الحافظ ابن عساكر في آخر تاريخه، في ذكر النساء، في حرف التاء وقال: اسمُها تحيفة بالتاء (١).

قال الشيخ موفق الدّين في الأنساب: لما قدم عمر رضوان اللَّه عليه الشام [قال لأبي عُبيدة]: ألا تَسْتَزيرُني؟ فقال: أخاف أن تعصر (٢) عينيك، فاستزاره، فلم يجد في بيته إلَّا طِنْفِسَة رَحْلِه، فقدم إليه خبزًا يابسًا ومِلحًا، فقال له عمر رضوان اللَّه عليه: هلا اتَّخذتَ ما اتَّخذه غيرُك؟ فقال: هذا يُبلّغني المحل، فبكى عمر رضوان اللَّه عليه وقال: أنت أخي، ما أجد إلا مَن غَرَّتْه الدُّنيا غيرك.

وكان يسير في العسكر ويقول: ألا رُبَّ مُبَيّضٍ لثيابه مُدَنِّس لدِينه، ألا رُبَّ مُكرِمٍ نفسَه وهو لها مُهين، فادْرؤوا السِّيئات القديمات بالحسنات الحَديثات، فلو أن أحدكم عمل من السيّآت ما بينه وبين السماء، ثم عمل حَسنةً لعلت فوق سيئاته حتى تَقهرهنّ (٣).

ودخل عليه بعضُ أصحابه في مرضه فوجده يبكي، فقال: ما يُبكيك؟ فقال: أبكي أن رسول اللَّه ذكر يومًا ما يَفتح اللَّه على المسلمين ويَفيءُ عليهم، حتى ذكر الشام فقال: "إنْ يُنسَأ في أجَلك يَا أَبا عبيدة، فحسبُك من الخَدَم ثلاثة: خادم يَخدُمك، وخادم يُسافر [معك]، وخادم يَخدُم أهلَك، وحَسبُك من الدَّوابّ ثلاثة: دابّة لرجلك (٤)، ودابة لثَقَلِك، ودابّة لغُلامك"، وها أنا أنظُر إلى بيتي قد امتلأ رَقيقًا، وإلى مَرْبَطي قد امتلأ دوابًّا وخيلًا، فكيف ألقى رسول اللَّه بعد هذا؟ وقد أوصانا: "إن أحبكّم إليَّ وأقرَبكم منّي مَن لَقيني على مثل الحال التي فارقَني عليها" (٥).

وقد ذكرنا أن أَبا عبيدة شهد بَدْرًا والمشاهِدَ كلّها، واليرموكَ وأجنادين وفحْلًا


(١) مختصر تاريخ دمشق لابن منظور ٥/ ٣٢٧ - ٣٢٨، وليس في المطبوع أو المخطوط من تاريخ دمشق.
(٢) في (أ) و (خ): تعصب، والمثبت من التبيين ٤٩٤ وما بين معكوفين منه.
(٣) الزهد لأحمد ٢٣٠، والحلية ١/ ١٠٢.
(٤) في (خ): لرحلك.
(٥) تاريخ دمشق (عاصم - عايذ) ٣٠٨ - ٣٠٩، ومن قوله: قال الشيخ موفق الدين. . إلى هنا ليس في (ك).