للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مُعاذًا، فقام خطيبًا فقال: إنَّه قد بلغني ما تقولون، وإنّما هذه رحمةُ ربِّكم، ودعوةُ نبيّكم، وكَفْتُ الصالحين قبلَكم، ولكن خافوا ما هو أشدُّ من ذلك؛ أن يَغدُوَ الرجلُ منكم من منزلهِ لا يدري: أمؤمن هو أم منافِقٌ؟ وخافوا إمارةَ الصِّبيان (١).

وروى ابنُ سعدٍ قال: لمّا قال معاذ: اللهمَّ آتِ آل مُعاذٍ نَصيبَهم من هذه الرحمةِ طُعِن ابناه، فقال: كيف تَجِدانِكما؟ قالا: يا أبانا ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠)[آل عمران: ٦٠]، قال: وأنا ستَجداني إن شاء اللَّه من الصابرين، ثم طُعِنت امرأتاه فهلكتا (٢)، وطُعِنَ هو في إبهامه فجعل يمصُّها بفيه ويقول: اللهمَّ إنَّها صغيرةٌ فبارك فيها، فإنك تُبارك في الصغير، حتى هلك.

وروى أبو نُعيم أنَّه كان كُلَّما أفاق -وكان شديدَ النَّزْعِ- فتح عينيه وقال: اخنُقْ خَنْقَك، فوَعِزَّتِك إنك تَعلم أني أُحبُّك، وأنَّ قلبي يُحبُّك (٣).

وقال عبد اللَّه بن أحمد بإسناده عن عَمرو بن قيس، عمَّن حدَّثه، عن معاذٍ أنَّه لما احتُضِرَ قال: انظروا هل أصبحنا؟ قالوا: لم نُصْبح، ثم قيل له: قد أصبحتَ، فقال: أعوذُ باللَّهِ من ليلةٍ صباحُها النَّار، مَرْحبًا بالموتِ مرحبًا، زائرٌ مُغِبٌّ حبيب جاء على فاقةٍ، لا أَفلحَ من نَدِم، اللهمَّ إني قد كُنتُ أخافُك وأنا اليومَ أرجوك، اللهمَّ إنك تعلمُ أني لم أكُن أُحبُّ الدنيا وطولَ البقاء فيها لكَرْي الأنهار، وغرسِ الأشجارِ، ولكن للظمأ في الهواجرِ، ومكابَدَةِ الساعات، ومُزاحمةِ العلماء بالرّكَبِ عند حِلَقِ الذكْر (٤). ولم يبق من آل معاذ من الجمعة إلى الجمعة أحد.

وقال ابن سعدٍ بإسناده قال: وحدثنا إسحاقُ بنُ خارجة بن عبد اللَّه بن كعب بن مالك، عن أَبيه، عن جدِّه قال: شهد معاذ بَدْرًا وهو ابنُ عشرين، أو إحدى وعشرين سنةً، وخرج إلى اليمن بعد أن غزا رسولُ اللَّه تبوكًا وهو ابنُ ثمانٍ وعشرين سنةً، وتُوفي في طاعون عَمْواس بالشام بناحية الأُردُن سنة ثماني عشرة وهو ابنُ ثمانٍ وثلاثين سنةً، وليس له عَقِبٌ.


(١) حلية الأولياء ١/ ٢٤٠. والكفت: الضمُّ والقبضُ.
(٢) من قوله: ذكر مرضه ووفاته. . . إلى هنا ليس في (أ) و (خ)، والخبر في الطبقات ٣/ ٥٤٤ و ٩/ ٣٩٢.
(٣) حلية الأولياء ١/ ٢٤٠.
(٤) الزهد ٢٢٦، وحلية الأولياء ١/ ٢٣٩.