للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما سمع عمرو كلامَه دخل عليه بغتةً، فقتله ووَقع عليها، فلما قضى وَطَرَه منها قال لها: إني لم أقَعْ على امرأةٍ قطّ إلَّا حَمَلت، ولا أُراكِ إلَّا قد حَملتِ، فإن رُزِقتِ غلامًا، فسمّيه الخُزَز، وإن رزِقتِ جاريةً فسمِّيها عِكْرِشة،، وجعل ذلك بينهما أَمارةً، ثم فارقها مُدّةً، ووَلدت غلامًا، فسمَّتْه الخُزَز.

فخرج عمرو في بعضِ أيّامه يتعرّض للقتالِ، فالتقى فارسًا مُدَجَّجًا في سلاحه، فالتقيا فصَرع عَمْرًا، وجَثَم على صدرهِ ليَذبحه، فقال له: انتَسِب، فقال: أنا عمرو، فقام عنه وقال: اللَّه أكبر، أنا ابنُك الخُزَز، فقال له عمرو: لا تُساكِنِّي بعد اليوم في أرضٍ، فخرج إلى اليمنِ فسادَهم، وشكَوْا إليه غاراتِ أَبيه فيهم، وقَتْلَه إيّاهم، وأمروه بقتله، فخرج يُريد قَتلَ أَبيه، فالتقيا فقتله عمرو، ثم جاء الإِسلامُ عُقَيْبَ ذلك فأسلم (١).

وكان عمر بن الخطاب يَسأله عن أشياء، أخبرنا غيرُ واحدٍ عن أبي الفضلِ بن ناصر بإسناده عن الشعبي قال: دخل عمرو بن مَعدي كَرِب يومًا على عمر بن الخطاب فقال له: يا عمرو، أخبرني عن أَشجع مَن لَقيتَ وأجبنِ من لَقيتَ، وأَحْيَلِ مَن لَقِيتَ، قال: نعم.

خرجتُ مرَّةً أُريد الغارَةَ، فمررتُ ببيتٍ في البرِّيّةِ وعنده فرسٌ مَشدود، ورُمحٌ مَركوزٌ، ورَجُلٌ جالسٌ بِفنائه، مُحتَبٍ بسيفٍ، وهو كأعظمِ الرجالِ خِلْقَةً، فقلتُ: خُذ حِذْرَكَ؛ فإني قاتِلُك، قال: ومَن أنت؟ قلت: عمرو بن مَعدي كَرِب، فشَهَق شَهقةً فمات، فهذا أجبنُ مَن رأيتُ.

قال: وخرجتُ مرَّةً فأتيتُ على حي وإذا بفَرسٍ مَشدودٍ، ورمحٍ مَركوزٍ، وصاحبُه في وَهْدَةٍ يَقضي حاجتَه، فقلتُ له: خُذ حِذْرَك فإنِّي قاتُلك، فقال: مَن أَنْتَ؟ قلتُ: عمرو بن مَعدي كَرِب، فقال: ما أنصفتَني يَا أَبا ثور؛ أَنْتَ على ظهرِ فرسك وأنا في بئر، فأعطني عهدًا أنك لا تَقتلني حتى أركبَ فرسي، وآخذَ رُمحي. فأعطيتُه عهدًا أنني لا أقتله حتى يركبَ فرسه، ويأخُذَ حِذره، فخرج من الوَهْدَةِ، ثم احتَبى بسيفه وجلس، فقلتُ: ما هذا؟ فقال: ما أنا براكبٍ فرسي ولا بمقاتلك، فإن نكثتَ العهد فأنت أعلم،


(١) المنتظم ٤/ ٢٨٣، وأمالي القالي ٣/ ١٥٠ - ١٥١.