للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال عمرو: يا أميرَ المؤمنين، فأخذتُ أربعةَ أفراسٍ وأربعةَ أسيافٍ، وقُدْتُ ناقةَ الظَّعينةِ، فقالت: إلى أين يَا عمرو، وما أَنْتَ لي بصاحبٍ، ولو كنت صاحبي لسلكت سبيلَهم، فقلتُ: اسكُتي، فقالت: أَسْكتَ اللَّهُ نَأْمَتك -أي: صَوْتَك- ثم رَمَتْ بنَفْسها إلى الأرض، وقالت: واللَّهِ لا تَصِلُ إلي أبدًا، ولستُ كمَن رأيتَ، وإن كنتَ ذاك الرجلَ فأعطني سيفًا، فإن غلبتَني فأنا لك، وإن غلبتُك قتلتُك، قال: فقلت لها: ما أنا مُعْطيكِ ذلك، وقد عرفتُ أصلَك، وشجاعةَ قومِك، فأقبلتْ إليَّ وهي تقول: [من الرجز]

أبعد ما شيخي وبعد إخوتي

أطلبُ عيشًا بعدهم في لذَّتي

هلّا يكون قبل (١) ذا مَنِيّتي

ثم أهوتْ إلى الرُّمح، وكادت تَنتزعه من يدي، فلما رأيتُ ذلك منها خِفْتُ إن هي ظَفِرت بي أن تَقتُلني، فقتلتُها، فهذا أعجبُ ما لقيتُ يَا أمير المؤمنين، فقال عمر: صدقتَ، وعجبَ من ذلك.

وقال الهيثم (٢): كان عمر يحبُّه ويُكرمُه ويَسألُه، قال له يومًا: أبعث إليَّ بصَمْصَامتك، فبعث بها إلى عمر، فلم يَرَ فيها ما بَلَغه عنها، فقال له عمر في ذلك، فقال: سألتَني أن أبعثَ إليك بالصَّمْصَامةِ، ولم تَسألْني أن أبعثَ إليك بالساعدِ الذي يَضربُ بها.

قال: وقال له عمر: ما تقول في الحربِ؟ فقال: مُرَّةُ المذاق، إذا كشفتْ عن ساق، من صبرَ فيها عُرِف، ومن ضَعُفَ فيها تَلِفَ، ثم قال: [من الكامل]

الحربُ أوَّل ما تكون فَتيَّة … تَسعى بزينتها لكلِّ جَهولِ

حتى إذا حَمِيتْ وشبَّ ضِرامُها … عادتْ عجوزًا غيرَ ذاتِ خَليلِ

شمطاء جَزَّتْ رأسَها وتنكَّرتْ … شمطاء لا للشمِّ والتَّقبيلِ

قال: فما تقول في الرُّمحِ؟ قال: أخوك وربما خانك، قال: فالنَّبْلُ؟ قال: منايا


(١) في (ك): بعد، والمثبت من المنتظم ٤/ ٢٨٩.
(٢) إلى هنا ليس في (أ) و (خ) مما أشير إليه قبل صفحات.