للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كلثوم بنتَ عليٍّ، وكانت عنده، فوجدها تبكي فقال: ما يُبْكيكِ؟ فقالت: يا أمير المؤمنين، هذا اليهوديُّ -تعني كعبَ الأحبارِ- يقول: إنَّك على بابٍ من أبواب جهنَّم، فقال عمر: ما شاء اللَّه، واللَّه إني لأرجو أن يكونَ ربّي خلَقني سعيدًا، ثم دعا كعبًا، فلما جاءه قال: يا أمير المؤمنين، لا تَعْجَلْ عليَّ، والذي نفسي بيدهِ لا يَنْسَلِخ ذو الحجّةِ حتى تدخلَ الجنَّةَ، فقال عمر: وأيُّ شيءٍ هذا؟ مرَّةً في الجنَّةِ ومرَّةً في النار، فقال: يا أمير المؤمنين، والذي نفسي بيده إنَّا لنَجدُكَ في كتابِ اللَّه على بابٍ من أبوابِ جهنّم، تَمْنَعُ الناسَ أن يَقعوا فيها، فإذا متَّ لا يزالون يَقتحمون فيها إلى يوم القيامة.

قال أنس بن مالك: قال أبو موسى الأشعري: رأيتُ كأني أخذتُ جَوادَّ كثيرة، فاضمحلَّت حتى بقيت جادَّةٌ واحدة، فسلكتُها حتى انتهيتُ إلى جبل، فإذا رسول اللَّه فوقه وإذا أبو بكر إلى جنبه، وإذا هو يُومئ إلى عمر أن تعال، فقلتُ: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، مات واللَّه عمر، فقلتُ: ألا تكتبُ إليه بهذا؟ فقال: ما كنتُ لأَنْعَى إليه نفسَه (١).

وقال ابن سعدٍ بإسناده عن سعيد بن أبي هلال: أن عمرَ بن الخطاب خطب الناسَ يوم الجمعة، فحمِدَ اللَّه، وأثنى عليه بما هو أهلُه، ثم قال: أما بعدُ، أيها الناسُ، إني رأيتُ رُؤيا لا أُراها إلّا لحُضور أجلي، رأيتُ كأنَّ ديكًا أحمرَ نقرني نَقْرتَين، فحدَّثتُها أسماء بنت عُمَيْس، فحدَّثَتْني أنه يَقتُلني رجلٌ من الأعاجم (٢).

وإن أقوامًا يأمروني أن أستَخْلِف، وإن اللَّه لم يكن ليُضيع دينَه ولا خلافته والذي بعث به نبيه ، وإن عَجِل بي أمرٌ فالخلافةُ شورى بين هؤلاء الرهط الستة الذين تُوفّي رسول اللَّه وهو عنهم راضٍ، وقد علمتُ أن أقوامًا سيَطعُنون في هذا الأمر بعدي، أنا ضربتُهم على الإسلام بيدي هذه، فإن فَعلوا فأولئك أعداءُ اللَّه الكُفّار الضُّلال.

ثم إني لم أدع شيئًا هو أهمُّ إليَّ من الكَلالة، وما راجعتُ رسول اللَّه في شيءٍ ما راجعتُه فيها، وما أَغلَظ لي في شيء منذ صاحبتُه ما أغلظَ لي في الكلالة، حتى طعن


(١) الخبران في طبقات ابن سعد ٣/ ٣٠٧، ٣٠٨، والثاني منهما ليس في (ك).
(٢) طبقات ابن سعد ٣/ ٣١٠ - ٣١١.