للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كلامه، فقال عمر: لا تَبكوا، ألم تسمعوا ما قال رسولُ اللَّه ﷺ: "إنَّ الميّتَ يُعَذَّبُ ببكاء أهلهِ عليه" (١) وذكر الحديث.

ولما طُعن اجتمع إليه الناس البدريون المهاجرون والأنصار، فقال لابن عباس: اخرج إليهم فسَلْهم: أعن مَلأمنكم ومَشورة كان هذا الذي أصابَني؟ فخرج ابن عباس إليهم فسألهم، فقال القوم: لا واللَّه، ولوَدِدْنا أن اللَّه زاد في عُمره من أعمارنا.

وقال ابن سعدٍ بإسناده عن أبي الحُوَيرِثِ قال: لمّا قَدِم غُلامُ المغيرةِ بن شُعبة ضربَ عليه المغيرةُ عشرين ومئة درهم في كلّ شهر، في كلِّ يومٍ أربعةُ دراهم، وكان خَبيثًا، إذا نظر إلى السَّبْي الصغار بكى ومسح على رؤوسهم ويقول: إنَّ العربَ أكلت كَبِدي.

فلما قَدِم عمرُ من الحجِّ جاء أبو لؤلؤة، فوجده غاديًا إلى السوقِ، وهو متَّكَئٌ على يد عبد اللَّه بن الزبير فقال: يا أميرَ المؤمنين، إنَّ سيِّدي المغيرة يكلِّفني ما لا أُطيقُ من الضَّريبة، قال عمر: وكم كلَّفك؟ قال: أربعة دراهم كلَّ يومٍ، قال: وما تعملُ؟ قال: الأَرْحاء، وسكت عن سائرِ أعمالهِ، فقال: في كم تَعملُ الرَّحى؟ فأخبره، قال: وبكم تَبيعُها؟ فأخبره، فقال: لقد كلَّفَكَ يسيرًا، انطلق فأعط مولاك ما سألك.

فلما ولّى قال عمر: ألا تَجعلُ لنا رَحَى؟ قال: بلى، أجعلُ لك رحًى يتحدثُّ بها أهلُ الأمصارِ، ففَزع عمر من كلمتِه، قال: وكان معه علي بنُ أبي طالب، فقال: ما تراه أرادَ؟ قال علي: أوعدكَ، قال عمر: يكفيناه اللَّهُ، قد ظننتُ أنه يُريدُ بكلمتهِ غَوْرًا. وقال ابنُ سعدٍ بإسناده: كان أبو لؤلؤة من سَبْي نهاوَنْدَ.

وقال ابن سعدٍ بإسناده: لمّا طُعِنَ عمرُ هرب أبو لُؤلؤة، وجعل عمر يُنادي: الكلب الكلب، فطعن أبو لؤلؤة نَفَرًا، فأخذه رهطٌ من قُريشٍ: عبد اللَّه بن عوفٍ الزُّهري، وهاشم بن عتبة بن أبي وقاص، ورجلٌ من بني سَهْمٍ، فطرح عليه عبدُ اللَّه خميصةً كانت عليه، فانتحر بالخَنْجرِ حين أُخِذ، واحتزَّ عبد اللَّه بن عوفٍ رأسَ أبي لؤلؤة.

وروى الواقديّ أن عمرَ لمّا طُعِنَ قال: ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا﴾


(١) طبقات ابن سعد ٣/ ٣٢٠ - ٣٢١، وأخرج الحديث أحمد (٢٨٩)، والبخاري (١٢٨٧)، ومسلم (٩٢٨).