للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دوابّهم، فقلتُ: أين تُريدون؟ قالوا: نُريدُ أن ننظرَ إلى قبر عُروة وعفراء، فنزلتُ عن مَحملي وركبتُ حِماري، واتَّصلتُ بهم، فانتهيتُ إلى قبرَيْنِ مُتلاصِقَيْنِ، وقد خَرَج من هذا القبرِ ساقُ شجرة، ومن هذا ساقُ شجرة، حتى إذا صارا على قامةٍ التقيا، وكان الناسُ يقولون: تآلفا في الحياةِ وفي الموتِ.

ورُوِي أن هذه القصَّة كانت في زمنِ عمر بن الخطاب، وقال عمر: لو أدركتُ عُروةَ وعفراء لجمعتُ بينهما.

وروي عن مُعاوية أنه قال: لو علمتُ بهذين الشريفَيْنِ لجَمعتُ بينهما (١).

وروي (٢) أن عروة مات بعرفات، فذكر محمد بن حبيب الهاشمي، عن هشام بن محمد بن السائب، عن أبي صالح، عن ابن عباسٍ، قال أبو صالح: كنتُ مع ابن عباسٍ في عرفاتٍ، فأتاه فِتْيانٌ يَحملون فتىً لم يَبقَ منه إلّا خيالُه، فقالوا: يا ابنَ عمِّ رسولِ اللَّه، ادْعُ اللَّه لهذا الفتى، فقال: وما الذي به؟ فقال الفتى: [من الطويل]:

بنا من جَوى الأحزانِ والحبِّ لَوعةٌ … تكادُ لها نَفْسُ الشَّفيق تَذوبُ

ولكنَّما أبقى حُشاشةَ مُعْوِلٍ … على ما بهِ عُودٌ هناك صَليبُ

ثم خَفَتَ على أيديهم فمات، فقال ابن عباس: قَتيلُ الحبِّ لا قَودَ فيه ولا دِيَة، ثم سأل الفِتيان عنه فقالوا: هذا عُروةُ بن حِزام العُذري، ثم كان ابن عباسٍ يَسأل اللَّه العافية بعد ذلك.

وقال أبو سعيد النُّميري (٣): لقي مجنونُ ليلى الأَحْوصَ بنَ محمد الأنصاري، فقال له: حدِّثني حديثَ عُروةَ، فحدَّثه، فلما فَرَغَ قال المجنون: [من الوافر]:

عَجبتُ لعُروةَ العُذْريِّ أمسى … أحاديثًا لقومٍ بعد قَوْمِ

وعُروةُ مات مَوتًا مُسْتَرِيحًا … وها أنا ذا أموتُ بكلِّ يومِ

انتهى حديث عروة بن حزام.


(١) المنتظم ٤/ ٣٥٩، وذم الهوى ٤١٧ - ٤١٨.
(٢) من هنا إلى نهاية ترجمته ليس في (خ) و (ع)، والخبر في الأغاني ٢٤/ ١٦٥ - ١٦٦.
(٣) في مصارع العشاق ٢/ ٧٥، وتاريخ دمشق ٤٧/ ٢٣٥: أبو معاذ النميري.