للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسئل علي رضوان الله عليه عن سلمان فقال: أُوتي العلمَ الأوّلَ والعلمَ الآخر، لا يُدرَك ما عنده.

وسئل عنه أيضًا فقال: ذاك امرؤٌ منّا وإلينا أهل البيت، ثم قال: مَن لكم بمثل لُقمانَ الحكيم، قرأ الكتاب الأولَ والكتابَ الآخر، وكان بحرًا لا ينزَف.

وكان عطاءُ سلمان خمسةَ آلاف، وكان على ثلاثين ألفًا من النَّاس، وكان يَخطب النَّاسَ في عباءة، يَفترشُ بعضَها ويَلبَس بعضَها، وكان إذا خرج عَطاؤه أمضاه، ويَأكلُ من سَفيف يده، وكان يتصدَّقُ بعطائه، ويَحمل الخُوصَ، وكان يستظلُ بالفَيءِ حيث ما دار، ولم يكن له بيت، فقال له رجلٌ: ألا نَبني لك بيتًا تَستظلُ به من الحَرِّ، وتَسكنُ فيه من البَرد؟ فقال له سلمان: نعم، فلما أدبرَ صاح به سلمان فسأله: كيف تبنيه؟ فقال: أبنيه إن أقمتَ فيه أصابَ رأسَك، وإن اضطجعتَ فيه أصابَ رجليك، قال سلمان: نعم.

وتزوَّج امرأة من كِندة، فلما كانت ليلةُ البِناء مشى معه أصحابُه، فلما بلغ بابَ امرأته قال: ارجعوا جزاكم الله خيرًا، ولم يُدخِلْهم، ودخل وحده، فلما نظر إلى البيت وهو مُنَجَّدٌ قال: أمَحمومٌ بيتُكم؟! أم تحوَّلَت الكعبةُ في كِندة؟! فلم يَدخل حتى نَزعَ كلَّ سترٍ في البيت، فلما دخل رأى مَتاعًا كثيرًا، قال: لمن هذا؟ قالوا: لك ولامرأتك، فقال: ما بهذا أوصاني خليلي ﷺ، أوصاني ألا يكون متاعي من الدُّنيا إلَّا كَزَادِ الرَّاكب، ثم رأى خدمًا فقال: لمن هؤلاء؟ فقالوا: لك ولامرأتك، فقال: ما بهذا أوصاني خليلي، [أوصاني] أن لا أُمسِك إلَّا ما أنكح أو أُنكح، فإن فعلتُ فعليَّ مثلُ أوزارهنّ، ثم قام فصلّى وصلَّت المرأةُ معه، ثم قضى حاجتَه.

فلما أصبح غدًا عليه أصحابُه فقالوا: كيف وَجَدَت أهلك؟ فأعرض عنهم، فألَحُّوا عليه فقال: إنَّما جعل الله السُّتورَ والأبوابَ والجُدُرَ ليُوارى ما فيها، حسبُ امرئ منكم أن يسأل عما ظهر له، أما ما غاب عنه فليس له أن يَسأل عنه، سمعتُ النَّبيَّ ﷺ يقول: "المتحدِّثُ في ذلك كالحمارَيْن يتسافَدان في الطَّريق".

ودخل عليه رجل وهو يَعجِن فقال: ما هذا؟ فقال: بعثنا الخادم في عمل، فكرهنا أن نَجمع عليه عَمَلين، ثم قال له: إن فلانًا يُقرِئُك السلامَ، فقال له سلمان: منذ كم