للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى عمر، فلما خَوَّفتُه بعمر تركني، وقد قال رسول الله : "من ولد آدم أنا، فأيُّما عبدٍ مؤمنٍ لَعَنْتُه [لَعنةً] أو سببتُه سَبَّةً في غير كُنْهه، فاجعلْه صلاةً له" (١).

وقال رجلٌ من عبد القَيس: رأيتُ سلمان في سريَّةٍ وهو أميرُها على حمارٍ، عليه سَراويل، وخَدَمَتاه تُذَبْذِبان، والجندُ يقولون: قد جاء الأمير، فقال سلمان: إنَّما الخيرُ والشّرُّ بعد اليوم.

وافتخرت قريش عنده فقال سلمان: لكني خُلقتُ من نُطفةٍ قذرة، ثم أعودُ جِيفةً مُنتنة، ثم يؤتى بي إلى الميزان، فإن ثَقُل فأنا كريم، وإن خَفَّ فأنا لئيم.

وروى خليفةُ بنُ سعيد المراديّ عن عمِّه قال: رأيتُ سلمان الفارسي بالمدائن في بعض طُرُقها يمشي، فزَحَمتْه حملة من قَصَبٍ فأوجَعَتْه، فتأخَّر إلى صاحبها الذي يَسُوقها، فأخذ بعَضُدِه فحرَّكه ثم قال: لامِتَّ حتَّى تُدرِك إمارة الشباب.

قال رجل من عبد القَيْس: مرَّ سلمان بصبيان من فِتيان الجُند، فضحكوا وقالوا: هذا أميرُكم؟ فقلتُ: ألا تسمع؟ فقال: إن استطعتَ أن تأكلَ من التّراب فكُلْ، ولا تكونَنَّ أميرًا على اثنين، واتَّقِ دعوةَ المظلومِ والمضطرّ فإنَّها لا تُحجَب.

وكان خِباؤه من عَباءة وهو أمير النَّاس.

وسُرق عَلَفُ دابَّته فقال لجاريته أو غُلامه: لولا أني أخاف القِصاص لضَرَبْتُك.

وقدم المدينة فقال عمر بن الخطاب رضوان الله عليه: اخرجوا بنا نتلقَّى سلمان.

وقال سلمان لحذيفة: أخا بني عَبْس: إن العلم كثير، والعُمر قصير، فخُذْ من العلم ما تحتاجُ إليه في أمرِ دِينك، ودَعْ ما سواه فلا تُعانِه.

وقال: إنَّما مثل المؤمن في الدُّنيا كمريض معه طَبيبُه الذي يَعلم داءه ودواءه، فإذا اشتهى شيئًا يَضُرُّه منعه وقال له: لا تَقرَبْه؛ فإنَّك إن أتيتَه أهلكك، فلا يزالُ يَمنعُه حتَّى يَبرأَ من وَجَعه، وكذا المؤمن؛ يَشتهي أشياءَ كثيرة ممَّا قد فُضّل به غيرُه من العَيش، فيَمنعه الله إياه، ويَحجُزه حتَّى يتوفّاه فيُدخله الجنة.

قال جرير: قال سلمان: يا جرير، تواضَعْ لله، فإنَّه مَن تواضَعَ لله رَفَعه الله يوم


(١) أخرجه أحمد بطوله (٢٣٧٢١).