للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

توبةَ ناكث، ولا نزال حتى تخلعَ نفسَك من هذا الأمر، ونُولّيه مَن يَصلح، فقال: لا أفعل، ولو أردتُ قتالكم لكتبتُ إلى أمُراء الأجناد، فجاؤوا بالجيوش فقاتلوكم، فقالوا: فقد كتبتَ.

وقال هشام: وكان في الجمع الذين ساروا من مصر إلى عثمان محمد بنُ أبي حُذيفة بن عُتبة بن ربيعة بن عبد شمس، ومحمد بن أبي بكر الصديق ، وكان السبب في خروج محمد بن أبي حُذيفة على عثمان، أنه كان يتيمًا في حِجْر عثمان، وكان مُحسنًا إليه، فلما شبَّ محمد سأل عثمانَ أن يَستعمله فأبى، فاستأذنه في الخروج فقال: اذهب أين شئتَ، فخرج إلى مصر، وقام يُؤلّب عليه.

قال ابن سيرين: وأما محمد بن أبي بكر فكان في الإسلام بمكان عظيم، ومنزلةٍ عالية من عثمان، فما زال مروان بن الحكم يُغري بينهما ويقول: إن محمدًا يَروم الخلافة، حتى مَنعه عثمان العطاء، ونال منه، وكتب في حقّه ذاك الكتاب، وأما عمرو بن العاص فعزله عن مصر، وكان أشدَّ الناس عليه هو وعمار لأنه ضربه، كما ذكرنا.

ولما جاء المصريون، ونزلوا ذا خشب، وقال عثمان لمحمد بن مَسلمة: اخرج إليهم فامتنع؛ قال عثمان للمغيرة بن شُعبة: اخرج إليهم فخرج، فصاحوا به: يا أعور، يا فاسق، يا زاني، يا عدوَّ الله، ارجع وإلا قتلناك، فقال عثمان لعمرو بن العاص: اخرج إليهم فخرج، فصاحوا به: يا ابن النابغة، ارجع فلستَ عندنا بأمين، فقال عثمان لعلي: اخرج إليهم، فقال: على أن تُعطيني عهدَ الله وميثاقَه أن لا تُخالِفَني، فأعطاه، فخرج إليهم، فقالوا: ما وراءك؟ فقال: بل أمامي، إن عثمان يَدعوكم إلى كتاب الله وسنَّة رسوله، فقالوا: أضامِنٌ عنه أنت؟ قال: نعم، قالوا: رَضينا.

وخرج أشرافُهم معه، فدخلوا على عثمان، فعاتبوه وعاتبهم، وضَمِن لهم كلَّ ما أرادوا، فقالوا: اكتب بيننا وبينك كتابًا، فكتب: من عبد الله عثمان لمن نَقم عليه من المسلمين، أن لهم عليه العمل بكتاب الله، وسنّة رسوله، وأنه يُعطي المحروم، ويؤمّن الخائف، وَيردُّ المنفي، ويُوفِّر الفيءَ، وعلي بن أبي طالب ضَمينٌ عنه بالوفاء بما فيه، شهد بذلك طلحة والزبير وسعد وابن عمر وزيد بن ثابت وآخرون، وكتب في ذي القعدة سنة خمس وثلاثين، وأخذوا بالكتاب نُسخًا وانصرفوا.