للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال علي لعثمان: إن البلاد قد تَمخَّضت عليك، ولا آمَنُ أن يأتيَ ركبٌ آخر من بعض الأمصار فتقول لي: اخرج إليهم، فإن لم أفعل قلتَ: قطعتَ رَحِمي، فاصعد المنبر، فتكلَّم بكلام يَحمله الناس عنك، وأشْهِد اللهَ على ما في قلبك.

فصعد عثمان المنبر، فأقرَّ بما فعل، واستغفر ربّه وقال: سمعتُ النبيَّ يقول: "مَن زلَّ فليَتُبْ، ومَن أخطأ فليتُبْ، ولا يَتمادى في الهَلكة"، فوالله لئن رَدَّني إلى الحقّ عبدٌ لأتَّبعتَّه، ولأستَنَّ بسنَّة العَدْل، ولأذِلَّنَ ذلَّ العبد المرقوق، إن مُلِك صبر، وإن عَتق شكر، وأنا أوَّل مَن اتَّعظ، وما عن الله مَذهب، فإذا نزلتُ فليأتِني أشرافُكم، فلْيَروا فيَّ رأيَهم، فقام إليه سعيد بنُ زيد بن عمرو بن نُفَيل فقال له: الله الله في نفسك، فأتمّ على ما أنت.

ونزل عثمان، وسُرَّ الناسُ بقوله، واجتمعوا إلى بابه مُبتهِجين بما كان منه، فخرج إليهم مروان فزبرهم، وقال: شاهت الوجوه، انصرفوا فإن أمير المؤمنين مشغول.

وبلغ عليًّا ما قال مروان، فدخل على عثمان وقال له: ما رضي مروان منك إلا بإفساد دِينك، وخديعته إياك عن عقلك، والله إني لأراه يُوردُك ولا يُصدرك، وما أنا بعائدٍ إليك بعد يومي هذا، ثم خرج وعثمان ساكت، فقالت له زوجه نائلة بنت الفَرافِصة: إنه لا قَدرَ لمروان عند الناس ولا هيبة، فابعث إلى عليٍّ فأرضه، فأرسل إليه فلم يأته.

وأما المصريون فإنهم لما وصلوا أَيلَة لَقَوا عندها عبدًا على بعير، فاستخرجوا منه كتابًا إلى عبد الله بن سعد، وفيه ضَربُ عُنقِ ابن عُدَيس، وقطع أيدي الباقين وأرجلهم، ويتركون يَتشحَّطون في دمائهم حتى يموتوا، فعادوا إلى المدينة، فدخلوا على عليّ وناولوه الكتاب، فعرف أنه خَتْم عثمان، فجمع عليٌّ كبارَ الصحابة، ودخلوا على عثمان فقالوا: أتعرفُ هذا الكتاب؟ فقال: أما الخطُّ فخطُّ كاتبي، وأما الخاتم فخاتمي، فقال له علي: فمن تَتَّهم؟ فقال: لا أتَّهِمُك ولا أتَّهم كاتبي، فقام علي مغضبًا وهو يقول: والله إنه لكتابُك وأمرُك.

وقال ابن إسحاق: أشار كبار الصحابة على عثمان بعزل عبد الله بن سعد عن مصر، وتَوليةِ محمد بن أبي بكر، فكتب لمحمد عهدَه، وخرج مع المصريين، فأرسل مروان كتابًا إلى ابن سعد بقتل محمد والمصريين، فالتقوا عبدَ عثمان على بعير، ومعه الكتاب