للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال هشام بن محمد، عن أبيه: فلما كان أول يوم من ذي الحجّة دعا أمير المؤمنين بشير بن عمرو بن مِحْصن الأنصاري، وسعيد بن قيس الهَمداني، وشَبَث بن رِبعي التّميمي، وقال لهم: اذهبوا إلى هذا الرجل، فخوِّفوه وحَذّروه وأنذِروه، وأشيروا عليه بالطّاعة، والدخولِ مع الجماعة، وانظروا ماذا رأيُه.

فجاؤوه فدخلوا عليه، فافتتح الكلام بشير وقال بعد حمد الله: يا معاوية، إن الدنيا عنك زائلة، وإنك راجعٌ إلى الآخرة، وإن الله مُحاسبُك ومُجازيك على عملك، ونحن نَنشدك الله؛ أن تُفرِّق جماعةَ هذه الأمة، وأن تَسفك دماءها.

فقال له معاوية: هلّا أوصيتَ صاحبَك بمثل هذا؟! فقال: إن صاحبي لا يحتاج إلى وصيّة لأنه ليس مثلَك، إن صاحبي أحقُّ البريَّةِ كلّها بهذا الأمر في فضله ودينه، وسابقته في الإسلام، وقرابته من رسول الله Object، وإني آمُرك بتقوى الله، وإجابةِ ابن عمك إلى ما يدعوك إليه من الحق؛ فإنه أسلَمُ لك في دُنياك، وخيرٌ لك في عاقبة أمرك، فقال معاوية: ويَبطل دمُ عثمان (١)؛ لا والله لا أفعل ذلك أبدًا.

فذهب سعيد بن قيس يتكلَّم فبادره شبث بن رِبعي وقال: والله يا معاوية ما يَخفى علينا مَغزاك ومَطلَبُك، إنك لم تجد شيئًا تَستغوي به الناس، وتَستميلُ به أهواءهم، وتستخلص لك به طاعتَهم إلا دمَ عثمان، فاستجاب لك السّفهاء، وقد علمنا أنك تَربَّصتَ به وأبطأتَ عنه، وأحببتَ له القتلَ لهذه المنزلة التي أصبحتَ تطلب، ورُبَّ مُتَمَنٍّ أمرًا يحول الله بينه وبينه.

فقال له معاوية: إن أول ما عُرف من سَفَهك وخِفَّةِ حِلمك أنك قطعتَ على هذا الشريف الحَسِيب سَيِّدِ قومه مَنطقَه، ثم عَتِبتَ بعد فيما لا علمَ لك به، فقد كَذبتَ في كلّ ما ذكرتَ ووصَفْتَ، انصرفوا فليس بيني وبينكم إلا السيف، فقال له شَبث: أعلينا تُهوّل بالسيف؟ أقسم بالله لنَعجلَنّ به إليك.

ثم عادوا فأخبروا أمير المؤمنين بالذي كان، ونَشِب بينهم القتال، فكان أمير المؤمنين يُخرج إليهم أعيانَ أصحابه، ومعاوية يُخرج إليهم أعيانَ أصحابه، فلما كان


(١) في الطبري ٤/ ٥٧٣، والمنتظم ٥/ ١٠٤: ونُطلّ دمَ عثمان، وفي وقعة صفين ١٧٨: ويُطَلّ دمُ عثمان.