للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعصون الله ما أمرهم، وبنو آدم يعصون.

وجه قول ابن عباس: قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾ وما كان سجودَ تحيَّةٍ بل لفضلِ المسجود له على الساجد.

وأنبأنا جدّي قال: أنبأنا محمّد بن ناصر بإسناده عن عطاء بن يسار، عن ابن عمر، عن النبي قال: "قالتِ الملائكةُ: أي ربِّ، أعطيتَ بني آدمَ الدُّنيا فأَعطِنا الآخرةَ، فقال الله تعالى: لا أَجْعَل صَالحَ ذرَّيةِ مَنْ خَلَقتُه بيَدِي كمَنْ قلتُ له: كُنْ فكانَ" (١).

ولأنهم يستغفرون لمن في الأرض، والمخدوم أفضل من الخادم.

والجواب: أمَّا الآية التي احتجت بها المعتزلة، فقد قال ابن عباس: إنَّ قومًا عبدوا عيسى والملائكة فنزلت الآية، ومعناها: لن يَستنكفَ المسيح والملائكة من العبادة فكيف يُعبَدان؟

وأمَّا سجود الملائكة لآدم فإنَّما أريد منهم الطاعة، لما نذكر في قصَّة آدم.

وأمَّا الحديث الذي احتَجَّ به ابن عباس، فقال جدي في "الواهية": هذا الحديث لا يصحُّ عن رسول الله ، في إسناده عبد المجيد ابن أبي رَوَّاد، قال ابن حبان: كان يَقلِب الأخبار ويروي المناكير عن المشاهير، فاستحقَّ الترك. وقال الدارقطني: الموقوف أصحُّ (٢).

ولو سُلّم كان معناه: أنَّ الخواصَّ من بني آدم أفضل من خواصِّ الملائكة، فإنَّه المختار عندنا، وقد نصَّ عليه أبو حنيفة فقال: خواصُّ بني آدم كالمرسلين والنبيين أفضل [من جملة الملائكة، لأنَّ لرسل الله فضلًا على الملائكة، لأنَّ الله عصمهم بأعلى مراتب العصمة عن كل وصمة لكونهم حججَ الله على عباده، ومن عُوتب منهم على زلّة فإنما كانت فيما هو مستوي الطرفين في الإمكان والثبوت، قال: وخواصُّ الملائكة كجبريل وميكائيل ونحوهما أفضل من عوام بني آدم لما ذكرت المعتزلة. والمؤمنون من بني آدم أفضل] من عوام الملائكة غير جبريل ونحوه من الرسل، لما ذكر ابن عباس. وقد ابتلي بنو آدم بالإيمان بالغيب، وفيهم أيضًا نوازع الشهوة وهي معدومة في الملائكة، فكان ما ذكره أبو حنيفة أعدل.


(١) "العلل المتناهية" (٣٢).
(٢) "العلل المتناهية" ١/ ٤٨.