للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معاوية عبيد الله بن عمر بن الخطاب، وذو كلاع وغيرهما. وسنذكرهم في آخر السنة.

وقال أبو مخنف: حدثني فُضَيل بن خَديج قال: قيل لعلي بعدما كُتبت الصحيفة: إن الأشتر لا يُقرُّ بما فيها، ولا يرضى إلا بالقتال، ولا يرى غيره، فقال علي : وأنا والله ما رضيتُ، ولا أحببتُ أن ترضَوا، فأما إذا أبيتم إلا الرِّضا فقد رضيتُ، ويا ليت لي فيكم مثل الأشتر اثنين، يا ليت فيكم مثله واحدًا يرى في عدوّي ما أرى، وقد نهيتُكم عما أتيتم فعصيتموني، فكنت أنا وأنتم كما قال أخو هوازن: [من الطويل]

فهل أنا إلا من غَزِيَّةَ إن غَوَتْ … غَويتُ وإن تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشُدِ

ثم أمر أمير المؤمنين الحارث الأعور فنادى في الناس بالرَّحيل (١).

[ذكر رجوع أمير المؤمنين إلى الكوفة]

قال أبو مخنف: حدثني عبد الرحمن بن جُندب، عن أبيه قال: لما انصرفنا مع أمير المؤمنين من صِفّين أخذ غير الطريق الَّذي أقبل منه، فسلك على شاطئ الفرات، فانتهى إلى هِيت، ثم أخذ على صَنْدُوداء، فخرج إليه الأنصاريُّون بنو سعد بن حرام فاستقبلوه، وعرضوا عليه النُّزول، فبات بهم.

ثم سار نحو النُّخَيلَة، ولاحت له بيوت الكوفة؛ وإذا بشيخ جالسٍ في ظلِّ بيت، على وجهه آثار مرض، فسلّم عليه علي فردَّ ردًّا حسنًا ظننا أنَّه قد عرفه، فقال له: أرى على وجهك آثار المرض فلعلك كرهتَه؟ قال: ما أحبُّ أنَّه بغيري، قال: فمن أنت؟ قال: صالح بن سُلَيم، والأصل من سَلامان، فقال: ما أحسن اسمَك واسم أبيك ومَن اعتزيتَ إليه، ثم قال: هل شهدتَ غَزاتنا هذه؟ قال: والله قد أردتُ ذلك، ولكن منعني المرض، فقرأ أمير المؤمنين ﴿لِيسَ عَلَى الْضُّعَفَاءِ﴾ إلى قوله: ﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ﴾ [التوبة: ٩١] ثم قال له علي: أخبرني ما يقول الناس فيما كان بيننا وبين أهل الشام؟ قال: فيهم المَسْرور بما كان بينك وبينهم، وأولئك أغِشاء الناس، وفيهم المكبوت الآسف بما كان من ذلك، وأولئك نُصحاء الناس، فدعا له علي وجزاه خيرًا وقال: جعل الله ما كان من مرضك حَطًّا لسيئاتك. وذكر ألفاظًا أُخَر.


(١) تاريخ الطبري ٥/ ٥٩، والبيت لدريد بن الصّمة، وهو في ديوانه ٤٧.