للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هارون بإسناده، عن قيس بن أبي حازم قال: أتينا خَبّابًا نعودُه، وقد اكتوى في بطنه سَبع كَيّات، فقال: لولا أن رسول الله ﷺ نهانا أن ندعوَ بالموت لدعوت به، فقد طال مرضي.

ثم قال: إن أصحابَنا الذين مَضَوا لم تَنْقصْهم الدنيا شيئًا، وإنّا أُعطينا بعدهم من الدنيا ما لم نجد له موضعًا إلا التراب، وكان يبني حائطًا له، فقال: إن المسلم ليُؤْجَر في نفقته كلِّها إلا في شيءٍ يجعله في التُّراب. متفق عليه (١).

وبه عن خَبَّاب قال: شكونا إلى رسول الله ﷺ وهو مُتوسّدٌ بردائه في ظلِّ الكعبة، فقلنا يا رسول الله، ألا تَستَنصِر لنا؟ فجلس مُحْمرًّا وجهُه وقال: "لقد كان مَن كان قبلكم يُؤخذ فيُجعل المِنشار على رأسه، فيُفْرَقُ فرقتَين، ما يَصرِفه ذلك عن دِينه، وليُتِمّنَّ الله هذا الدين -أو هذا الأمر- حتَّى يسيرَ الرَّاكب ما بين صَنْعاء وحَضْرَمَوت؛ لا يخاف إلا اللهَ والذئبَ على غنمه". انفرد بإخراجه البخاري (٢).

وروى أبو نعيم بإسناده عن شقيق بن سلمة قال: دخلْنا على خَبّاب نَعوده في مرضه فقال: إن في هذا التّابوت ثمانين ألف درهم، والله ما شَددتُ عليها خيطًا، ولا منعتُ منها سائلًا، ثم بكى، فقيل له: ما يُبكيك؛ فقال: أبكي أن أصحابي مَضَوْا ولم تَنْقُصهم الدنيا شيئًا، وإنا بقينا بعدهم حتَّى ما نجِد مَوضعًا للمال إلا التُّراب (٣).

ذكر وفاته:

قال ابن سعد بإسناده عن طارق بن شهاب قال: دعا خَبّابًا نَفَرٌ من أصحاب رسول الله ﷺ، فقالوا: أبشرْ أبا عبد الله، إخوانك تَقْدَم عليهم غدًا، فبكى وقال: أما إنه ليس بي جَزَع، ولكن ذكَّرتموني أقوامًا، وسمَّيتُم لي إخوانًا، وإن أولئك مَضَوا وأُجورُهم على الله، أو كما هي، وإني أخاف أن يكون ثوابَ ما تَذكُرون من تلك الأعمال مما أُوتينا بعدَهم (٤).

وقال الواقدي: نزل خَبّاب الكوفة حين اختطَّها المسلمون، فأقام بها إلى سنة سبع


(١) مسند أحمد (٢١٠٦٩)، وصحيح البخاري (٥٦٧٢)، وصحيح مسلم (٢٦٨١).
(٢) مسند أحمد (٢١٠٥٧)، وصحيح البخاري (٣٨٥٢).
(٣) حلية الأولياء ١/ ١٤٥.
(٤) طبقات ابن سعد ٣/ ١٥٣.