للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالشام، وثُلثًا هاهنا، فقال: أَجِّلْني يومي حتَّى أُفَكِّر، ومضى إلى منزله فأعتق الجميع، فلما غدا على عمر قال له: ما رأيك فيما ذكرته لك؟

فقال: قد اختار الله لي ولهم خيرًا مما رأيتَ. قال: وما هو؟ قال: هم أحرار لوَجْهِ الله تعالى. فقال له عمر: أصَبْتَ.

ثم قال: يا أمير المؤمنين، لي ذنبٌ ما أظنّ اللهَ يَغفِرْه لي. قال: وما هو؟ قال تَواريتُ عمّن يَتعبَّدُ لي، ثم أشرفتُ عليهم من مكانٍ عالي، فسجد لي زُهاء عن مئة ألف إنسان، فقال له عمر: التوبةُ بالإخلاص، والإنابَةُ بالإقْلاع، يُرجَى بهما مع رَأفةِ الله الغُفران، قال الله تعالى ﴿لَا تَقْنَطُوا مِن رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الْذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ الآية [الزمر: ٥٣] (١).

وذكر أبو القاسم بن عساكر في "تاريخه" زيادةً على هذا، عن يزيد بن هارون قال: كان عند ذي الكلاع اثنا عشر ألف بيت من المسلمين، فبعث إليه عمر ليَشتريَهم ليَستعينَ بهم على عدوِّ المسلمين، فأعتقهم ذو الكَلاع في ساعةٍ واحدة (٢).

وقرأت أيضًا على الموفَّق من كتاب "التوابين" قال: ذكر محمد بن أحمد بإسناده عن علوان بن داود، عن رجل من قومه قال: بعثني أهلي في الجاهلية إلى ذي الكَلاع، فأقمت على بابه سَنَةً لا أصِلُ إليه، ثم اطَّلع من قصره، فلم يبق مِن حول القصر إلا مَن خَرَّ له لساجدًا، ثم أمر بهديَّتي فقُبِلَتْ.

ثم رأيتُه في الإسلام قد اشترى لحمًا بدرهم، وسَمَّطه على فرسه وهو يقول: [من الرمل]

أُفٍّ للدُّنيا إذا كانت كذا … كلَّ يومٍ أنا منهما في أَذَى

ولقد كنتُ إذا ما قيل مَن … أنعمُ النَّاس معاشًا قيلَ ذا

ثم بُدّلْتُ بعيشي شِقْوَةً … حَبَّذا هذا شَقاءً حَبَّذا (٣)


(١) التوابين ١٥٨، والمنتظم ٤/ ٨.
(٢) تاريخ دمشق ٦/ ١٤٧.
(٣) التوابين ١٥٧، والمنتظم ٤/ ٧ - ٨، وتاريخ دمشق ٦/ ١٤٢ (مخطوط).