للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محمد بن أبي بكر الصديق -

وكنيته أبو القاسم، وأمُّه أسماء بنت عُمَيْس الخَثْعَمِيّة، وُلد عام حجَّةِ الوداع بذي الحُلَيفَة، في عقب ذي القعدة، فأراد أبو بكر أن يَرُدَّ أسماء إلى المدينة، فسأل النبي فقال: "مُرْها أن تَغتسلَ وتُهِلّ"، وقد ذكرناه، وكان في حِجر علي لما تزوَّج بأمّه أسماء، فتولّى تربيته، وذكرنا ما جرى لمحمد مع عثمان بن عفان، ولما سار علي إلى الجمل سار معه محمد، وكان على الرَّجَّالة، وشهد معه صفّين، وولاه مصر بعد عزل قيس بن سعد بن عبادة عنها (١)، وقد ذكرنا سبب عزل قيس بن سعد عن مصر، وأن أمير المؤمنين اتَّهمه بمعاوية، ثم بان له أنَّه ناصحٌ له.

ولما قدم قيس بن سعد مصر وأقام بها عَزله علي عنها بمحمد بن أبي بكر، فلما قدم محمد خلا به قيس وقال له: يا أبا القاسم، إنك قد جئتَ من عند أمير لا رأيَ له، وليس عَزلُه إيّاي بمانعي أن أنصح لك وله، وأنا من أمركم هذا على بصيرة، وإني أدُلُّك على الَّذي كُنْتُ أكيد به معاوية وعمرًا وأهل خَرِبْتا، فكايدْهم به، فإنك إن كايَدْتَهم بغيره تهلك.

ووصف له قيس بن سعد المُكايدة التي كان يكايدهم بها، فاستَغَشَّه محمد بن أبي بكر، وخالفه في كلِّ شيءٍ أمره به، فسار إليه معاوية وعمرو بأهل الشام فافتتحا مصر، وقتلا محمدًا (٢).

وقد ذكرنا أن الأشتر سار واليًا عليها، وسُقي السّم، وأن أمير المؤمنين كتب إلى محمد بن أبي بكر يُشَجّعه، ويُقوّي عَزمَه.

وقال أبو مخنف عن أشياخه: إن أهل الشام لما انصرفوا من صفين كانوا ينتظرون ما يأتي به الحكمان، فلما اختلف الناس بالعراق على أمير المؤمنين طمع معاوية في مصر، وكان أهل خَرِبْتا عثمانية، ومَن كان من الشيعة كان أكثر منهم، فكان معاوية يهاب مصر لأجل شيعة أمير المؤمنين، وكان قَصْدُ معاوية أن يستعين بفتوح مصر على


(١) التبيين ٣١٤ - ٣١٥.
(٢) تاريخ الطبري ٥/ ٩٤، والمنتظم ٥/ ١٤٩.