للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لوجهين: أحدهما لأنَّ لفظه "كل" للعموم. والثاني: ليظهر فضلُ آدم على الملائكة، وفي تعليم البعض نقص.

وقد نصَّ ابن عباس على هذا فقال: علَّمه أسماء الخلق والقرى والمدن والجبال وأسماء الطيور والأشجار وما كان ويكون وكلَّ نسميةٍ الله خالقها إلى يوم القيامة.

وقال الطّبري في "تاريخه": علَّمه كل شيءٍ حتى الفسوة والضّرطة (١).

قلت: أما كان في مخلوقات الله ما يعبَّر عنه بعبارة تليق بالله إلا هذه العبارة؟!

وقال السُّدي: لما قال الله تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ قالت الملائكة فيما بينهم: ليخلق ربنا ما شاء فلن يخلق خلقًا أفضل ولا أكرم عليه منا، وإن كان خيرًا منا فنحن أعلم منه لأنَّا خلقنا قبله ورأينا ما لم يَرَهُ. فلما أُعجبوا بعلمهم وعبادتهم فضَّل عليهم آدم بالعلم فعلَّمه الأسماء كلها. وهذا قول الحسن وقتادة وعامَّة العلماء.

وقال أبو القاسم الورّاق: علَّمه ألف حِرفَةٍ ثم قال له: قل لأولادك إن لم يصبروا فليطلبوا الدنيا بهذه الحرَف ولا يطلبوها بالدِّين، فإنَّ الدِّين خالص، وويلٌ لمن طلب الدنيا بالدِّين (٢).

فإن قيل: فلِمَ قال: ﴿ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ﴾ ولم يقل: "عرضها"؟ فالجواب: أنه أراد الشخوصَ المسمَّيات لأنَّ الأعراض لا تعرض، فقال: ﴿أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ﴾ أي: أخبروني ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: ٣١] وفيه أقوال:

أحدها: أنَّ معناه إن كنتم صادقين أني أخلق خلقًا أعلم منكم وأفضل، قاله الحسن.

والثاني: إن كنتم صادقين أنَّ بني آدم يفسدون ويسفكون، رواه السُّدي عن أشياخه.

والثالث: أنَّ المراد إبليس لأنه قال: إن فضِّلتُ عليه لأهلكنَّه، فتقديره: إن كنت صادقًا أنك تفعل ذلك، فأنبئني بأسماء هؤلاء، قاله مجاهد (٣).

وقال الزَّجاج: معناه: كيف تدَّعون علم ما لم تشاهدوه من الحكم على الغيب بالفساد، وأنتم لا تعلمون ما تعاينونه وترونه؟ فحينئذ أقرَّت الملائكة بالعجز فقالوا:


(١) "تاريخ الطبري" ١/ ٩٧.
(٢) أخرجه ابن عساكر في "تاريخه" ٥٧/ ٥ من حديث عطية بن قيس عن النبي Object.
(٣) انظر "التبصرة" ١/ ١٥.