للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال هشام: لَمَّا استُشهد أمير المؤمنين واستقام الأمرُ لمعاوية، قَدِمَ ابنُ عباس الشامَ، فاجتمع به عمرو، فقال: إن هذا الأمرَ الذي نحنُ فيه ليس بأوَّل أَمر قاد البلاء، وقد بلغ بنا وبكم إلى ما ترى، وما أبقت الحربُ لنا ولكم جَلَدًا ولا صَبْرًا، ولسنا نقول: ليت الحربَ عادت لنا، بل نقول: يا ليتها لم تكن، وإنَّما هو أَميرٌ مطاع، ومأمورٌ مطيعٌ، ومأمون مستشار، وأنت هو، والسلام. فأَعجبَ ابنَ عباس قولُه (١).

ذكر وفاته:

ذكر ابنُ سعدٍ (٢) عن الواقديّ عن أشياخه قال: لَمّا أَصلح معاوية بن حُدَيج بين عمرو بن العاص ومعاويةَ بنِ أبي سفيان، وكتب بينهما كتابًا وشرطَ فيه شروطًا، منها أن لعمرو ولايةَ مصر سبعَ سنين، وعلى عَمْرو السمع والطاعة لمعاوية، وتواثقا، وأشهدا عليهما شُهودًا، ومضى عَمْرو إلى مصر في آخر سنة تسع وثلاثين، قال: فواللهِ ما مكثَ بها إلا سنتين أو ثلاث سنين حتى مات.

وقال ابن سعد (٣): حدثنا الضحاك بن مَخْلَد أبو عاصم الشيبانيّ النبيل بإسناده عن ابن شُماسة المَهْريِّ قال: حَضَرْنا عَمْرَو بنَ العاص وهو في سِياقَةِ الموت، فحوَّل وجهه إلى الحائط، فبكى طويلًا، وابنُه يقول: ما يبكيك؟ أما بشَّرك رسولُ الله صلى الله عليه بكذا وكذا؟ وهو في ذلك يبكي ووجهُه إلى الحائط، قال: ثم أقبل بوجهه إلينا فقال: إن أفضلَ مِمّا تَعُدُّ عليَّ شهادةُ (٤) أَن لا إله إلَّا الله، وأَن محمدًا رسول الله، ولكني قد كُنْتُ على أَطباقٍ ثلاث: قد رأيتُني ما من الناسِ من أَحد أَبغضَ إليَّ من رسول الله ، ولا أَحبَّ إليَّ من أن أَستمكنَ منه فأَقتلَه، فلو مِتُّ على تلك الطبقةِ لكنتُ من أهلِ النار، ثم جعل اللهُ الإسلامَ في قلبي، فأَتيتُ رسولَ الله لأُبايعه، فقلتُ: اُبْسُطْ يمينك أُبايِعْكَ يا رسولَ الله. قال: فبسط يده، ثم إني قبضتُ يدي، فقال: "ما لك يا


(١) ينظر "البيان والتبيين" ٢/ ٢٩٨. ومن قوله: وقال هشام .... إلى هذا الموضع، ليس في (م).
(٢) في "الطبقات الكبرى" ٥/ ٧٩.
(٣) المصدر السابق ٥/ ٧٩ - ٨٠.
(٤) في "صحيح مسلم" (١٢١): إن أفضل ما نُعِدُّ شهادة ....