للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معاويةَ ما أَقولُ لك؟ قال: نعم. قال: تقول له: كان عندك زيادٌ وقد أَكل العِراقَ بَرَّهُ وبَحْرَه، فخدعك حتى رضيتَ منه بألفي ألف درهم، ما أرى ما تقولُ الناسُ من أن زيادًا ابنُ أبي سفيان إلَّا حقًّا.

فجاء مصقلةُ إلى معاوية، فقال له: أكان عندك زيادٌ؟ قال: نعم، فذكر له قولَ زياد، فلما سمع ذلك قال: أَوَ قَدْ قالوها؟ قال: نعم، فأرسل إلى زياد، فاستدعاه وادَّعاه.

وقال هشام بن محمد بن السائب الكلبيّ عن أبيه قال: كانت سُمَيَّةُ جاريةَ الحارث بن كَلَدةَ طبيب العرب من البغايا بالطائف، وكانت لها رايةٌ تُعرفُ بها، وكانت تؤدِّي الضريبةَ إلى مولاها كلَّ يومٍ في الجاهليةِ، وأن أبا سفيان فَجَرَ بها في الجاهلية، فلما أرادَ معاويةُ أن يَدَّعيَ زيادًا قام على منبر دمشق، وأخذَ بيد زياد وقال: أيُّها الناسُ، إني قد عرفتُ في زيادٍ شَبَهًا بأبي، فمن كانت عنده شهادةٌ فليُقِمْها، فقام ابنُ مريم السلولي -وكان خمَّارًا في الجاهليةِ- فقال: أشهدُ أنَّ أبا سفيان قَدِم علينا الطائفَ فقال: ابغني بَغِيًّا، فقلت: ما هنا إلا سُميَّة جارية الحارث بن كَلَدة، فقال: ائتني بها، فأَتيتُها وقلتُ: قد عرفتِ شرفَ أبي سفيان، وإنَّه يطلبكِ، فقالت: اصبرْ حتى يأتيَ زوجي عبيد (١) من غَنمه، فإذا نام أَتيتُه، وجاء زوجُها فنام، وجاءت، فاحتبستُها مع أبي سفيان إلى الصباح، فخرج وهو يمسح جبينَه من العرق، فقلتُ له: كيف رأَيتَها؟ فقال: ما رأيتُ مثلها، لولا ذَفَرٌ بين إبْطَيها ورُفْغَيها، وذكر مكانًا آخَرَ. فصاح زيادٌ: يا أبا مريم، مهلًا! أشامتًا جئتَ أَم شاهدًا؟ فقال: إِنَّما أشهدُ بما رأَيتُ، ولو أَعفيتموني لكان خيرًا لكم وأحبَّ إليَّ.

فقال معاوية لمالك بن ربيعة: ما عندكَ؟ قال: أَشهدُ أَنَّ أبا سفيان واقع سميَّةَ في الجاهلية، ثم خرج وهو يقول: لعنها اللهُ ما أَنتَنَها! فقال زيادٌ: أَدِّ شهادتَك ولا تُفْحِشْ.

وقام آخرُ فقال: أشهدُ أنَّ عمر بنَ الخطاب أخذ بيد زياد وقال: للهِ دَرُّهُ لو كان له عُنْصُرٌ! قال: وكان أبو سفيان إلى جانبي فقال: والله أنا قذفتُه في رَحِمِ سُميَّةَ، وما له أَبٌ غيري، قال: فقلتُ: ما لك ما تَدَّعيه؟ فقال: خوفًا من دِرَّةِ هذا. يعني عمر.


(١) في (خ): أبو عبيدة، والمثبت من "أنساب الأشراف" ٤/ ٢١٧.