للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حرَّقناه، ومن نَقَبَ بيتًا نَقَبْنا عن كَبدهِ وقَلْبه، ومَنْ نَبَشَ قبرًا دَفَنَّاه حيًّا فيه، فكُفُّوا ألسنتكم وأيديَكم أكفَّ لساني ويدي، وإياكم أن يظهر (١) من أحدٍ منكم خلافُ ما عليه عامَّتكم إلا ضربْتُ عُنقَه، ألا وإنَّه قد كانت بيني وبين أقوامٍ إِحَنٌ فجعلتُها دَبْرَ أُذني وتحت قَدمي، فمن كان مُحسنًا فليزدد إحسانًا، ومن كان مُسيئًا فلينزع عن إساءتِه، وإني لو علمتُ أنَّ أحدَكم قتله السُّلُّ من بُغْضي لم أَكشِف له قِناعًا، ولم أَهتِكْ سِتْرَه حتى يُبْدِيَ لي صَفْحتَه، فإذا فعل ذلك لم أُناظِرْهُ، فاستأنفوا أُمورَكم، وأعينوا على أنفسِكم، فرُبَّ بئيسٍ بقُدومِنا سَيُسَرُّ، ومسرورٍ بقُدومنا سيَبْتَئس.

أيها الناسُ، إنَّا أصبحنا لكم ساسةً، وعنكم ذادَةً، نَسُوسُكم بسلطانِ الله الذي أعطانا، ونذودُ عنكم بفَيءِ الله الذي خَوَّلنا، فلنا عليكم السمعُ والطاعة فيما أَحبَبْنا، ولكم علينا العدلُ فيما وُلِّينا. واستَوْجِبُوا عَدْلَنا بمُناصحتكم، واعلموا أني مهما قَصَّرتُ عنه؛ فإني لا أُقَصِّرُ عن ثلاث: لستُ مُحْتَجِبًا عن طالبِ حاجةٍ منكم ولو أتاني طارقًا بليل، ولا حابسًا رِزْقًا ولا عطاءً عن أربابه، ولا مُجَمِّرًا لكم بَعْثًا، فادْعُوا الله بالصلاحِ لأئمّتكم، فإنهم ساستُكم المؤدِّبون لكم، وكهفُكم الذي إليه تأوون.

وقيل: بل حَمِد الله في أوَّلها.

قال: فقام إليه عبد الله بن الأهتم فقال: أشهدُ أيُّها الأميرُ أنك أوتيتَ الحكمةَ وفَصْلَ الخطاب. فقال: كَذَبْتَ، ذاك نبيُّ الله داود ﵇.

فقال له الأحنفُ بن قيس: أَيُّها الأميرُ، قد قُلْتَ فأَحسَنْتَ، والثناءُ بعد البلاء، والحمدُ بعد العطاء، وإنَّا لن نُثْنيَ حتى نَبْتلي، فقال له زياد: صَدَقْتَ.

فقام أبو بلال مرداسُ بن [أُدَيَّة] (٢) يَهْمِسُ وهو يقول: أنبأنا اللهُ بغير ما قُلْتَ، قال الله تعالى: ﴿أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وزْرَ أُخْرَى (٣٨) وَأَنْ لَيسَ لِلْإِنْسَانِ إلا مَا سَعَى (٣٩)[النجم: ٣٨، ٣٩]، فأوعدَنا الله خيرًا مِمَّا أَوْعَدْتَنا، فقال زياد: إِنَّا لا نَجِدُ إلى ما تُريدُ أَنْتَ وأصحابُك سبيلًا حتى نخوضَ إليه الدِّماء.


(١) في "تاريخ" الطبري ٥/ ٢٢٠: لا يظهر، بدل: وإياكم أن يظهر، وهو المناسب لسياق الكلام بعده.
(٢) هو من رؤوس الخوارج. ولفظة "أُدَيَّة" من المصادر.