للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال عمر بن شَبَّة عن أشياخِه، عن الشعبيِّ قال: ما سمعتُ متكلِّمًا تكلَّم فأحسنَ إلا أَحببتُ أن يسكتَ خوفًا من أن يسيءَ إلا زيادًا، فإنَّه كلَّما تكلَّم كان أَجْوَدَ كلامًا.

وقال عمر بن شبَّة (١): استعمل زيادٌ على شرطتِه عبد الله بنَ حِصْن، وأمره متى وَجَد إِنسانًا بعد ثلث الليلِ الأَوَّلِ في الشارعِ إلا قتلَه.

قال: وأُخذ ليلةً أعرابيٌّ، فقال له زيادٌ: أما سَمِعْتَ النداءَ؟ فقال: لا والله، قَدِمتُ بحَلوبتي، وغشيني الليلُ، فاضطررتُها إلى موضع، وأقمتُ لأُصبحَ، ولا عِلْمَ لي بما كان من الأمير، فقال زياد: أظنُّك صادقًا، ولكنْ في قتلك صلاحُ الأُمَّةِ، فضربَ عُنُقَه.

قال عمر: فكان زيادٌ أَوَّلَ من شدَّ أمرَ السلطانِ [وأكّد] المُلْكَ لمعاوية (٢)، وألزم الناس الطاعة، وتقدَّم في العقوبة، وأخذَ بالظِّنَّة، وعاقبَ على الشُّبْهَةِ والتُّهمة، فخافه الناسُ في سلطانِه خوفًا شديدًا، حتى كان الشيءُ يسقطُ من الرجلِ أو المرأة؛ فلا يَعْرِضُ له أحدٌ حتى يأتيَه صاحبُه فيأخذَه، وتبيتُ المرأةُ لا تُغْلِقُ عليها بابَها، وهابه الناسُ هيبةً لم يهابوها أحدًا قَبْلَه، وساس الناسَ بسياسةٍ لم يَسُسْها سواه، وأدَرَّ العطاءَ، وأحسن إلى الناس.

وأقامَ الشرطةَ أربعة آلافٍ، عليهم عبد الله بن حِصْن، والجَعْدُ بن قيس التميمي، فبينما هما يسيران بين يديه بِحَرْبَتَينِ؛ تنازعا، فقال زيادٌ: يا جَعْدُ، أَلْقِ الحَرْبةَ. فعزَلَه، وأقامَ ابن حِصْنٍ على شرطته حتى مات زياد.

وكان يتتبَّع الفُسَّاقَ فيُبيدهم، وكان زيادٌ يقول: لو ضاعَ حَبْلٌ بيني وبين خُراسان لعلمتُ مَنْ أخذَه.

وكتب خَمْسَ مئة شيخٍ من أهلِ البصرة في صحابتِه، فكان يرزقهم ما بين الثلاث مئة إلى الخمس مئة درهم.

وقال عمر بن شبَّة (٣): ومدحه حارثة بن بَدْرٍ الغُداني فقال:


(١) تاريخ الطبري ٥/ ٢٢١ - ٢٢٢ … وما بعدها، والكلام قبله منه.
(٢) في (خ): أول من سدَّد أمر السلطان لملك معاوية، والمثبت من الطبري وما بين حاصرتين منه.
(٣) تاريخ الطبري ٥/ ٢٢٣ وما سيرد بين حاصرتين منه.