للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: وقد احتجَّ مالك والشافعيّ وأحمد بهذا الحديث على جواز تقديم الكفَّارة على الحِنث، وعند أبي حنيفة لا يجوز؛ لأنَّه كفَّر قبل وجودِ سببه، فلا يجوز، كما لو كفَّر قبل الجُرح.

وأما الحديث فتكلَّم عليه جدِّي في كتاب "التحقيق" (١) وقال: إنما يصلُح الاحتجاجُ هذا لو كانت الواو للترتيب.

قال: وقد رواه جماعة، فقدَّموا الحِنْثَ على الكفَّارة؛ فأخرج أحمد في "المسند" (٢) عن عديّ بن حاتم قال: قال رسولُ الله : "مَنْ حَلَفَ على يمينٍ، فرأى غيرَها خيرًا منها؛ فلْيأتِ الذي هو خير، وليُكَفِّرْ عن يمينه". وفي الباب عن عبد الله بن عمرو، وغيرِه.

وأخرج أيضًا أحمد في "المسند" عن هُشيم (٣) بإسناده عن عبد الرحمن بن سَمُرة قال: قال لي النبي : "يا عبد الرحمن بن سَمُرة، إذا آليتَ على يمين، فرأيتَ غيرَها خيرًا منها، فائْتِ الذي هو خيرٌ، وكَفِّرْ عن يمينك".

قال جدِّي: وهذا اختياري. بمعنى مذهب أبي حنيفة.

قلت: فقد كفانا جَدِّي مُؤْنةَ الجواب عن الحديث؛ الفِقْهُ مع أبي حنيفة لِما ذكرنا أنه كفَّر قبل السبب، ووجوث الكفارة إنَّما يتعلَّقُ بالحِنْث، والدليل عليه قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ﴾ [المائدة: ٨٩]، وفي قراءة ابن مسعود: "إذا حلفتُم وحَنِثْتُم"، ولئن لم تُثْبتوه قُرآنًا، فلا أقلَّ من أن يكونَ حديثًا مشهورًا، ومتى وقع التعارضُ بين الأخبار ترجَّح مذهبُ أبي حنيفة بما ذكرنا، وقد ذكرنا تمامه في "الخلافيات".


(١) ٢/ ٣٨٠.
(٢) برقم (١٨٢٥١).
(٣) في (خ): هشام، وهو خطأ، والتصويب من "المسند" (٢٠٦١٦).