للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال هشام بن محمد عن أبيه: أراد زياد الحجَّ وأراد أبو بكرةَ أَنْ يَنْهاه، فلم يَقْدِر لأَجْلِ اليمينِ التي حلف بها أنَّه لا يُكلِّمُه، فأخذ أبو بكرةَ ولدًا صغيرًا لزياد، فجعله في حِجْرِه، وجعل يُخاطبه وأبوه زياد يسمع، فقال: يا بُنيّ، أبوك أحمقُ، قد فَجَرَ في الإسلام ثلاث فجرات؛ أما أوَّلُهُنَّ فكتمانُه الشهادةَ على المغيرة، وقد علمَ أنه رأى ما رأَينا. والثانية انتفاؤه من عُبَيد وادّعاؤه إلى أبي سفيان، وواللهِ ما رأَى أبو سفيان سميَّةَ في ليل ولا نهار. وأما الثالثة فإنَّه يريدُ الحجَّ، وأُمُّ حَبِيبة زوجةُ رسولِ الله هُناكَ، وقد ادَّعَى أنَّها أُخْتُهُ، فإن أذِنَتْ له كما تَأذَنُ الأُختُ لأخيها، فأعظِم بها مصيبةً على رسولِ الله وإن حَجَبَتْهُ وتَستَّرَت عنه، فأَعظِم بها حُجَّة عليه. ثم قام فخرج، فقال زياد: رحمك اللهُ يا أبا بَكْرة، ما تَدَعُ النصيحةَ لأخيك على كلِّ حال. ولم يحجَّ زياد في تلك السنة (١).

وقد ذكرنا أن أبا بكرة خَلَّصَ أولادَ زياد من بُسْر بن أبي أرْطاة، وكان قد عزم على قَتْلهم، وهم: عُبيد الله، ومسلم (٢)، وحرب، وعبد الرحمن، والمغيرة.

ذِكرُ وفاته:

روى الخطيبُ عن عُيينة (٣) بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: لما اشتكى أبو بَكْرَة عرض عليه بنوه أن يأتوه بطبيب، فأبى، فلما نزل به الموتُ قال: أين طبيبكُمُ ليردَّها إن كان صادقًا؟! يعني نَفْسَه. فقالوا: وما يُغْني الآن؟ وبكت ابنتُه، فقال: لا تبكي، فقالت: إذا لم أَبْكِ عليك، فعلى مَنْ أبكي؟! فقال: واللهِ ما على وجهِ الأرضِ نَفْسٌ أَحبُّ إليَّ من أن تكون خرجَتْ من نفْسي هذه، ولا نَفْسَ هذا الذبابِ الطائر. فقال له حُمران بن أبان: ممَّ ذاك؟ قال: أخشَى أن يجيء أَمرٌ يحولُ بيني وبين الإسلام.


(١) ينظر "أنساب الأشراف" ١/ ٥٨٥ و ٤/ ٢٢٦.
(٢) في النسختين (ب) و (خ): سلم، وكذا في "أنساب الأشراف" ١/ ٥٨٤. والمثبت من فقرة: ذكر أولاده، الآتية قريبًا، وكذلك هو في "طبقات" ابن سعد ٩/ ١٩٠، و"المعارف" ص ٢٨٨.
(٣) في النسختين (ب) و (خ): عنبسة، وهو خطأ، وهو عُيينة بن عبد الرحمن بن جوشن الغطفاني، من رجال "التهذيب". والخبر في "تاريخ بغداد" ٨/ ٥٨١ (ترجمة الحسين بن سعيد المخرَّمي). وذكره ابن الجوزي في "المنتظم" ٥/ ٢٤٨.