للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبقي بلا أخ، وخسرانه في الآخرة أنَّه أسخط ربَّه وصار إلى النَّار، قاله ابن عباس.

والثاني: من الخاسرين للحسنات، قاله الزجَّاج.

والثالث: من الخاسرين أنفسهم لأنَّه أهلكها، والمعنى واحد.

قوله تعالى: ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٣١] قال ابن عباس: لما قتله تركه بالعراء لا يدري ما يصنع به، وهو أول قتيل قتل في الدنيا، فقصدته السِّباع، فحمله على عاتقه، فكان إذا مشى تخطُّ يداه ورجلاه في الأرض، وإذا قعد وضعه إلى جانبه. قال مجاهد: وضعه في جرابٍ وحمله على ظهره وقد أروح، والطير عاكفة عليه تنتظر متى يلقيه حتى تأكله.

واختلفوا في مدَّة حمله إيَّاه: فقال مجاهد: حمله على عاتقه مئة سنة، وقال مقاتل: ثلاثين سنة، وروي عن مقاتل ثلاثة أيام (١)، وقيل: سنة (٢)، وكل هذه الأقوال فيها مقال. والأصحُّ أنَّه حمله أيامًا، لأنَّ آدم عاد من مكَّة بعد الحادثة بيسير.

فبعث الله غرابين فاقتتلا، فقتل أحدهما صاحبه، ثم حفر له بمنقاره ورجله، وقابيل ينظر إليه، ثم دفنه. فقال قابيل: و ﴿قَال يَاوَيلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي﴾ (٣) وفيه قولان: أحدهما عورته، والثاني جيفته (٤)، وهو أعم، وفيه دليل على أن الميت عورة. ﴿فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ﴾ [المائدة: ٣١].

فإن قيل: أليس النَّدَم توبة فلم لم تقبل منه؟ فالجواب من وجوه:

أحدها: أنَّ النَّدم توبة لهذه الأمَّة لا لغيرها، لأنَّ الله خصَّها بخصائص لم تكن لسواها، قاله الحسين بن الفضل.

والثاني: أنه ندم على حمله لا على قتله.

والثالث: أنه ندم على فوات أخيه لا على ركوب الذَّنْب (٥).


(١) انظر "زاد المسير" ٢/ ٣٣٨.
(٢) انظر البداية والنهاية ١/ ٩٤.
(٣) انظر تفسير الطبري ٦/ ١٩٨.
(٤) انظر "زاد المسير" ٢/ ٣٣٨.
(٥) انظر "زاد المسير" ٢/ ٣٣٩.