للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أصحابه، فحملَهم على الخيل العِتاق، وقلَّدَها أواقَ الذهب والفضة، وألبسَهم الدِّيباجَ وسَرَقَ الحريرِ (١)، ووضعَ على رأسه تاجَه، وكان فيه قُرْطا مارية، وهي جدَّتُه، فلم تبق بِكْرٌ ولا عانِسٌ إلا وخرجت تنظُرُ إليه وإلى زِيِّه.

فلما دخلَ على عمر رحَّب به، وأدنى مجلسَه، وأقامَ بالمدينة مكرَّمًا.

فجاء أوانُ الحجّ، فخرج عمرُ حاجًّا وخرج معه، فبينا هو يطوفُ بالبيت، إذْ وَطِئَ رجلٌ من فَزَارة إزارَه من خلفه فانحل، فعرفعَ جَبَلَةُ يدَه فلطمَ الفَزَاريَّ، فهشَمَ أنفَه، فاستعدَى الفَزاريُّ عليه عمرَ، فقال عمر لجَبَلَة: لِمَ هشمتَ أنفَه؟ قال: اعتمدَ حَلَّ إزاري، ولولا حُرْمةُ البيت (٢) لضربتُ وجهه بالسيف. فقال له: أمَّا أنتَ فقد أقررتَ، فإما أن تُرضيَه؛ وإلا أقدتُه منك، فقال: أوَخُطْرٌ هو لي (٣)؟ قال: نعم. قال: وكيف، وأنا ملكٌ وهو سُوقَة (٤)؟! فقال عمر: الإسلام قد جمعكما. قال جَبَلَة: واللهِ لقد ظننت أن أكونَ في الإسلام أعزَّ منِّي في الجاهلية! فقال [عمر:] هو ما ترى. فقال جَبَلَة: فإذًا أتنصَّر. فقال عمر: أقتُلُكَ لأنك قد أسلمتَ. فقال: أمهِلْني الليلة حتى أنظر.

فأمهله. فلمَّا كان في الليل تحمَّلَ هو وأصحابُه إلى الشام على طريق الساحل، حتى دخل القسطنطينية، فتنصَّر هو وقومُه، فسُرَّ به هِرَقْل، وأقطعَه ما شاء، وزوَّجَه ابنتَه، وقاسمه مُلكَه، وجعلَه من سمَّاره، وأقام مدَّة.

ثم إن عمر كتب كتابًا إلى هِرَقْل في أمر يَخصُّ (٥) المسلمين، وبعث به إلى جَثَّامَةَ بن مُساحِق الكِنانيّ إليه (٦). فلما قَدِمَ الرسولُ على هِرَقْل؛ أجابَ بما أَرادَ عمر، فلما عزمَ الرسولُ على الرجوع قال له هرقل: لقيتَ جَبَلَةَ ابنَ عمِّك؟ قال: لا. قال: فالْقَهْ.


(١) في (خ): "والسَّرَق الحرير". والسَّرَق: شُقَق الحرير الأبيض.
(٢) في (ب) و (م): الكعبة.
(٣) أي: أهو مثلي في القَدْرِ والعُلُوّ. ينظر "القاموس". ووقع في (م): أهو خطر مثلي.
(٤) السُّوقة -بضم السين-: الرعية، للواحد والجمع، والمذكر والمؤنث. ينظر في "القاموس".
(٥) في (ب) و (خ): يختصُّ. والمثبت من (م).
(٦) كذا في النسختين (ت) و (خ) وتحرف فيهما جثامة إلى حبابة. ولفظ العبارة وفي (م): وبعث به مع رسول إليه، وفي من رواية: واسم الرسول جثامة بن مساحق الكناني.