للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أمَّ المؤمنين، أنتِ العالِمةُ بالله، دَلَلْتِنَا (١) على الحق، وحَضَضْتِنا على حَضِّ أنفسنا (٢)، وأَنتِ أَهل أنْ يُطاعَ (٣) قولُك، ويُمتثلَ أمرُك، وقد كان أمرُ يزيد قضاءً من القضاء، وليس للعباد الخِيرَة في أمرهم، وقد وكَّد الناسُ ببيعته في أعناقهم، وأعطَوْه العُهود والمواثيق، أَفَتَرَيْنَ أنْ يَنْقُضُوا عهودَهم؟ ثم قام وهو يقول: تاللهِ ما رأيتُ خطيبًا أبلغَ من أمّ المؤمنين اليوم (٤).

قال الشعبي: ثم صَعِدَ معاويةُ المنبر وقال: إنَّا قد بايعنا يزيدَ، فبايِعُوا، فصاحَ به الحُسين ﵇: لا ولا كَرامَة، أنا - واللهِ- أَحقُّ بها من يزيد، أبي خيرٌ من أبيه، وأمِّي خير من أمِّه، وجدِّي خيرٌ من جدِّه، وأنا خير منه. يا معاوية، أنتَ أعلمُ الناسِ بيزيد في ليله ونهاره، وسرّه وعلانيته، وأنتَ ذاهب إلى الله، فاخْتَر لنفسك والأمةِ.

وقال ابن عَوْن: لَمَّا قدم معاويةُ المدينةَ؛ أرسلَ إلى الحسين ﵁، فقال: يا ابنَ أخي، قد اسْتَوْسَقَ (٥) الناسُ لهذا الأمر غيرَ خمسةِ نفرٍ؛ أنتَ رأسُهم وقائدُهم. فقال الحسين: ابْعَثْ إليهم، فإنْ بايَعُوا؛ كنتُ رجلًا منهم، فأخذَ عليه معاويةُ العهودَ أنْ يكتُم ذلك. فخرج من عنده وقد أقعدَ له ابنُ الزُّبير رجلًا، فسألَه عن الحال، فأخبرَه ببعض الأمر.

ثم أرسلَ معاويةُ إلى ابن الزبير، فقال له مثلَ ما قال للحسين، وردَّ عليه ابنُ الزُّبير مثلَ ما ردَّ الحُسينُ، وخرج من عنده.

ثم أرسلَ إلى ابن عمر، فكلَّمه بكلام ألينَ من كلامه للحسين وابنِ الزبير وقال: قد اسْتَوْسَقَ الناسُ لهذا غيرَ خمسة من قريش، أنتَ تقودُهم، فقال: أنا أبايعُك على أن أَدخُل بعدَك فيما تُجمع عليه الأمة. قال: وتفعل؟ قال: نعم. ثم خرجَ إلى بيته.


(١) في (خ) (والكلام منها وحدها): دليلنا، والمثبت من "الإمامة والسياسة" ١/ ١٥٨.
(٢) في (خ): وحظظتنا على حظ أنفسنا.
(٣) في (خ): وأنت لأهل أمر يطاع. والصواب ما أثبتُّه إن شاء الله. وفي "تاريخ دمشق" ٦٨/ ٢٥٦ (طبعة مجمع دمشق): وأنت أهل أن تُطاعي.
(٤) ينظر "الإمامة والسياسة" ١/ ١٥٨، و"تاريخ دمشق" ٦٨/ ٢٥٦ (طبعة مجمع دمشق- ترجمة معاوية).
(٥) أي: اجتمع.