للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سمعتُ رسولَ الله يقول: "مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَماه في سبيل الله، حرَّمَهما اللهُ على النار". فنزل مالك، ونزلنا معه، فما رأيتُ ماشيًا أكثرَ من ذلك اليوم (١).

وكان مالك رجلًا صالحًا، له فصْائلُ جمَّةٌ يطولُ ذكرها، وكان يقسم الغنائمَ على كتاب الله وسنَّةِ رسوله، ولا يُحابى أحدًا، كتبَ إليه معاويةُ وإلى عبد الله بن قيس الفَزَاريّ أن يصطفيا له من الخُمْس، فأمَّا عبدُ الله فأنفذَ كتابَه، وأمَّا مالكٌ فلم يُنفِذْه، فلما قدما على معاوية أَذِنَ لمالك قبلَ عبد الله وفضَّلَه عليه في الجائزة، فعاتَبه عبدُ الله، فقال معاوية: إنَّ مالكًا عصاني وأطاعَ الله، وأنْتَ أطعتَني وعصيتَ الله.

وقال معاوية لمالك: ما منَعك أن تُنْفِذَ كتابي؟ فقال له مالك: ما أقبحَ أنْ أكونَ أنا وأنتَ في زاويةٍ من زوايا النار، تلومُني وألومُك (٢)!.

وكان مالكٌ يقول لأصحابه والجيش: خُذُوا الفاكهةَ من الشجرة، ولا تقطعوا الشجرة، فإنها تنفعُكُم في غَزْوكم مِنْ قابِل (٣).

وكان يصوم الدهر، وأحصَوْا صيامَه فوجدُوه قد صام ستِّين سنة (٤).

وقال حسان مولاه: كان في فخذه كتابة بين الجلد واللحم: الله (٥)، ما كتبَها كاتب.

وكُسِرَ على قبره أربعون لِواءً (٦).

وروى الحديث عن رسول الله (٧)، وصَحِبَهُ (٨).


(١) تاريخ دمشق ٦٦/ ١٢٢ - ١٢٣. وأخرجه أحمد في "المسند" (٢١٩٦٢) بنحوه.
(٢) تاريخ دمشق ٦٦/ ١٢٨ (طبعة مجمع دمشق).
(٣) المصدر السابق ٦٦/ ١٢٩.
(٤) المصدر السابق ٦٦/ ١٣١.
(٥) في "تاريخ دمشق" ٦٦/ ١٣١: عدة الله، وفي رواية أخرى فيه: لله. وفي هذا الخبر نظر.
(٦) أورد ابن الأثير الخبر في "أُسْد الغابة" ٥/ ٣٢ وقال بإثره: لكل سنة غزاها لواء. والخبر أيضًا في "تاريخ دمشق" ٦٦/ ١٣٠ و ١٣٢. وسلف في ترجمته أنه قاد الصوائف أربعين سنة. (ملاحظة: وقع في كل من (ب) و (خ): أربعين، وأثبتُّ اللفظة على الجادّة).
(٧) ينظر "مسند" أحمد (٢١٩٦١) إلى (٢١٩٦٤).
(٨) سلف التعليق في أوائل ترجمته أن ابن عبد البر قال: منهم من يجعل حديثه مرسلًا ويجعله من التابعين.