للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فانصرفوا إلى منازلكم، ولا تقتُلوا في رضي المخلوقين أنفسَكم، ولا يُغني الناسُ عنكم يومَ القيامة شيئًا.

فقال مروان: لا، بل نضربُ بعضَهم ببعض، فمن قُتل كان الظَّفَر فيه، ويبقَى الباقي فنطلُبُه وهو واهنٌ ضعيف.

وقام المغيرة فقال: الرأي ما رآه سعيد، من كان من هوازن فأحبَّ أن يتبعني [فليفعل]. فاتَّبعه ناسٌ منهم، وخرج حتى نزل الطائف، فلم يزل بها حتى مضى الجمل وصفِّين (١).

[ورجع سعيد بن العاص بمن اتَّبعه حتى نزل مكة، فلم يزل بها حتى مضى الجمل وصفِّين].

فلما ولِيَ معاويةُ الخلافةَ سنة إحدى وأربعين وكان سعيد بنُ العاص مقيمًا بمكة لم يشهد شيئًا من الحروب؛ قدم على معاوية، فسلَّم عليه، فقال له معاوية: حيَّاك اللهُ بالسلام، وأسعدَك بسلامة المَقْدَم، نِعْمَ الزائرُ أنتَ، فهلَّا قبلَ ذلك وقد شَفَى (٢) بنا الأمر على التَّلَف، ونحن كأفراخ الحَجَل يأوي من هضبة إلى شاهق، ولكنك كما قال الفَقْعسي في سليمان بن محيف (٣):

وأسلَمني لَمَّا رأى الخيلَ أقْبَلَتْ (٤) … عشيةَ يهدي القومَ نصرُ بن مالكِ

وقام بنعيي نادبًا ثم عابني … بنهبيَ جازاني ببيض السنابكِ

فأَعْرضتُ عما كان من قُبح فعلِهِ … وقاسمتُه نهبي كفعل المشاركِ

فقال له سعيد: بئس التحيةُ من ابنِ العمّ على بُعد اللقاء، وإنما أبعدني عنك غِناك عني، ولو دعوتَني لأجبتُ، وعلى كلِّ حال فبُعدي عمَّا كنتُم فيه أحبُّ إليَّ من قربي منه.


(١) طبقات ابن سعد ٧/ ٣٨ - ٣٩. وما سلف بين حاصرتين منه.
(٢) في (ب) و (خ): اسقى. والمثبت من "تاريخ دمشق" ٧/ ٢٥٤ (مصورة دار البشير).
(٣) كذا في (ب) و (خ)، وفي "تاريخ دمشق" ٧/ ٢٥٤ (مصورة): سليم بن قحف، ولم أعرفه.
(٤) "تاريخ دمشق": أقفلَتْ.