للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان سعيد يقول: قَبَّحَ اللهُ المعروف إذا لم يكن ابتداءً من غير مسألة، أمَّا إذا أتاك وقد تركَ ماءَ وجهه (١)، وقلبُه خائفٌ، وفرائصُه تُرْعَد، وجبينُه يَرْشَح، لا يدري؛ أيرجعُ بنُجْح الطلب، أو بسوء المنقلب، فواللهِ لو خرجتَ له من جميع مالك ما كافيتَه.

وكان يقول: اللهمَّ إن كنتَ تعلم [أنَّ] للدنيا [عندي] (٢) حظًّا، فلا تجعلْ لي حظًّا في الآخرة.

ولما وَليَ سعيد الكوفةَ جاءَتْه هند بنت النعمان بن المنذر مترهِّبة ومعها جوارٍ لها قد لَبِسْنَ المُسُوح، فأكرمَها وأجلسها على فراشه إلى جانبه، وقضى حوائجها، فقالت له: أيُّها الأمير، لا أزال اللهُ عن كريم نعمةً إلا وجعلَكَ السببَ في عَوْدها إليه، ولا جعلَ لك إلى لئيم حاجة (٣).

وأوصى سعيد ابنَه عمرًا أن يبيعَ قصرَه ويقضيَ دينَه، وقال: إن سألك معاويةُ أن يقضيَ ديني؛ فلا تفعل، فلما مات سعيد باع عمرو قصرَه، وجعلَ يقضي دَينَه. فأتاه رجل بقطعة من أديم فيها مكتوب بخطّ سعيد أنَّ له عليه مالًا كثيرًا؛ إمَّا عشرين ألفًا، أو نحوها، فقال عمرُو: هذا خطُّ أبي أعرفُه، ولكنّي أُنكِرُ أن يكون لمثلِك على أبي هذا الدَّين، فمن أين صار لك عليه هذا؟ قال: رأيتُه يومًا، فوقف وقال: هل لك من حاجة؟ فقلت: لا إنَّما رأيتُك تمشي وحدَك، فأحببتُ أن أصلَ جناحَك. فقال: التمس لي شيئًا أكتبُ فيه. فلم أجدْ إلا هذه الرُّقْعة الأديم، فكتب لي فيها. فقال عمرو: إذن واللهِ لا تأخذُها إلا وافيةً. فأعطاه إيَّاها (٤).

وقال الواقديّ: لما احتُضر قال لابنه عمرو: كم عليَّ دَين؟ قال: ثلاثة آلاف ألف درهم. فقال: بِعْ قصري ومزارعي، واقْضِ دَيني. فلمَّا وفدَ ابنُه على معاوية؛ ترحَّم عليه وبكى، وقال: كم دَينُه؟ فأخبره عَمرو، فقال: عليَّ قضاؤه. فقال: قد أوصاني ببيع


(١) كذا في (ب) و (خ). وفي "تاريخ دمشق" ٧/ ٢٦٩ (والخبر فيه بنحوه): نزل دمُه في وجهه. وفي "العقد الفريد" ١/ ٢٣٨: بذلَ وجهه.
(٢) ما بين حاصرتين مستفاد من "العقد الفريد" ١/ ٢٣٨. ووقع في (ب): عندك، بدل: عندي!.
(٣) تاريخ دمشق ٧/ ٢٧٢ (مصورة دار البشير).
(٤) الخبر بنحوه أطول منه في "تاريخ دمشق" ٧/ ٢٧٢ - ٢٧٣.