للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم خرج الحسين ﵁ إلى بيته، فقال مروان للوليد: واللهِ لا يمكِّنك من مثلها من نفسه أبدًا. فقال له الوليد: ويحك يا مروان، اخترتَ التي فيها هلاكُ ديني، واللهِ ما أُحبُّ أنَّ لي ما طَلَعَتْ عليه الشمس وغربَتْ وأني قتلتُ حُسينًا، سبحان الله! أَقتلُ حُسينًا أنْ قال: لا أُبايع! واللهِ إني لا أحسبُ أنَّ امرأ يُحاسَبُ يوم القيامة بدم الحسين إلا خفيفَ الميزان عند الله. وجعل يردّد الكلام. فقال له مروان: أصَبْتَ. وفي قلبه ما فيه (١).

وأمَّا ابنُ الزُّبير؛ فأتى دارَه، فأقامَ بها، فأرسلَ إليه الوليد، وألحَّ عليه، وهو يقول: أَمْهِلُوني. فألحُّوا عليه، وشتمه موالي العبيد وقالوا: يا ابنَ الكاهلية، واللهِ لئن لم تأتِ الأمير، لَيقْتُلَنَّك.

فبعثَ ابنُ الزبير أخاه جعفرًا إلى الوليد، فقال: كُفَّ عن أخي، فقد أفْزَعْتَه، وغدًا يأتيك. فكَفَّ عنه، وكان الوليد كافًّا عن الحسين ﵁.

وخرج ابنُ الزُّبير من ليلته، فأخذ على طريق الفُرْع ومعه أخوه جعفر؛ ليس معهما ثالث، وتجنَّبُوا الطريقَ الأعظم خوفًا من الطلب، وقصدا مكة، فبينا (٢) ابنُ الزبير يُساير أخاه جعفرًا تمثَّل جعفر بقول [ابن] نُوَيرة (٣) الحنظلي:

وكلُّ بني حَوَّا (٤) سَيُمْسُونَ ليلةً … ولم يَبْقَ من أعقابِهم غيرُ واحدِ

فقال عبد الله: يا أخي (٥)، ما أردتَ بهذا؟ كأنَّه تطيَّر منه. فقال: واللهِ ما أردتُ إلا الخير، وإنما هو شيءٌ جرى على لساني من غير تعمُّد.


(١) ينظر الخبر في المصادر الثلاثة المذكورة.
(٢) في (خ) (والكلام منها): فبدأ، بدل: فبينا، والمثبت من "تاريخ" الطبري ٥/ ٣٤١.
(٣) في (خ) (والكلام منها): نميرة، والتصويب من "أنساب الأشراف" ٤/ ٣٣٤، ولفظة "ابن" منه، وهو مُتَمِّم بن نُوَيْرة، ووقع في "تاريخ" الطبري ٥/ ٣٤١: تمثل جعفر بقول صبرة. . .، وبنحوه في "البداية والنهاية" ١١/ ٤٦٨.
(٤) في المصادر المذكورة، وفي "الأغاني" ١٥/ ٣١٢: وكلُّ بني أمٍّ. والبيت قاله متمّم في رثاء أخيه مالك بن نُويرة.
(٥) اضطربت العبارة في (خ) (والكلام منها فقط)، فجاء فيها لفظ: فرحم الله عبد الله وقال يا ابن أخي. . . (؟) وأثبتُّ ما لا بدّ منه للسياق. وتنظر مصادر الخبر المذكورة قبل تعليق.